من عجائب الحديث النسائي أن السيدات إما يصغين جميعا ولا تتكلم منهن واحدة، وهذا نادر، وإما يتكلمن جميعا في آن واحد ولا تصغي منهن واحدة. وكانت الحال الثانية حالنا في اجتماعاتنا نظل عليها حتى يعرض لنا ذكر موضوع الدرس، فيهدأ ضجيجنا بغتة ونصغي جميعا إلى المتكلمة فينا، ولا نحجم عن بث الآراء والمناقشة أحيانا، ونبقى «عاقلات» حتى يمر في الحديث خيال نكتة صغيرة فنعود إلى الثرثرة والضحك المتقطع المتواصل.
اجتماعات لطيفة كاجتماعات الفتيات في كل زمان ومكان، ولكننا لم نكن لنهتم «بسر» الغرفة التي تجمعنا جدرانها، ولم أتنبه لذلك «السر» إلا يوم وجدتني هناك وحدي ناظرة إلى ما نشر على الجدران من رسوم أعاظم الكتاب والمفكرين. •••
يقال إن في العالم نحو ثلاثمائة جامعة. ولئن كانت الجامعة المصرية أحدث هذه الجامعات سنا وأقلهن فائدة مادية (لأنه ليس لألقابها حروف شتى يحررها الطلبة وراء أسمائهم)، فهي مع ذلك آخذة مكانها بينهن، ولها ميزة خاصة بكونها جامعة أهلية.
على أنها ليست الجامعة الأولى في الشرق الأدنى.
إن الأزهر الشريف أقدم جامعات الشرق والغرب؛ لأنه تأسس في القرن العاشر، في حين أن أقدم جامعات أوروبا - وهما جامعتا بولونيا وباريس - لم توجد قبل القرن الثاني عشر.
يجلل الأزهر وقار القدم، غير أن بابه مقفل في وجه غير المسلمين، وتعاليمه دينية لغوية في الغالب، فهو في نظر كثيرين حلم عميق للمرء أن يذكره ويحدث عنه، ولكن لمسه ليس بالأمر الميسور.
أما الجامعة المصرية فمفتوحة للجميع ولا تقلل من فضلها حداثة سنها؛ إن كل صغير محبوب لأنه يطلب العطف، كل صغير مستودع آمال كبيرات لأن له قابلية النمو والتكاثر.
قال ألفرد ده موسيه (وهو الشاعر الذي أعطي قوة التعبير عن أعمق العواطف بألطف الألفاظ): «كأسي صغيرة لكني أشرب من كأسي.» وعلى هذا القياس للمصريين أن يقولوا: «جامعتنا صغيرة لكننا نتعلم في جامعتنا.» •••
ليست الجامعة منهل علم لطلبتها فحسب، بل هي مهبط وحي لي حين أبلغها قبل ابتداء الدرس الذي أبتغي حضوره بدقائق أقضيها منتظرة متأملة.
فكم من فكر إنساني ما يحيط بي من آثار الحياة! وكم من تأمل التقط موضوعه نظري بين وريقات شجرة خضراء تتمايل أمام النافذة! وكم من حلم لمحت خطوطه مرسومة في جو قاعة الدرس وألوانه متخللة خيوط الأشعة المطلة علينا! أفكار وتأملات وأحلام رفرفت علي حينا وغنت في نفسي كالأطيار، ثم فتحت جناحها الذهبي ساعة جاء الدرس ينبهني، فتحت جناحها وانطلقت تعدو إلى آفاق قصية أجهلها وأحبها؛ لأن لي فيها أطيارا خيالية.
Página desconocida