Memorias de una princesa
سوانح الأميرة
Géneros
ثم تضاءل صوتها بعد ذلك حتى أصبح غير مسموع، إلا أنني أجهدت نفسي فسمعتها تقول: «اذهبي الآن غير مأجورة يا أنيسة روحي في هذه الليلة واتركيني لهمومي وأشواقي، وإذا ما عدت إلى الأوطان فاذكريني عند أهلي، ودعيهم لا ينسوني أنا المسكينة المنفية إلى صميم هذا الميدان الفخم في وسط هذه العاصمة الكبرى، وأخبريهم بأنني على استعداد لأن أفدي كل هذه البهارج والزخارف تلقاء ساعة واحدة أجد فيها نفسي بين أحضان تربتي الأولى.»
وقد أثرت في كلماتها الأخيرة أيما تأثير، ونفذت إلى أعماق قلبي كأنها سهام نارية، فجمدت في مكاني مبهوتة حيرى، ولم أتحرك إلا أثر سماعي أصوات بعض القادمين لزيارتها، حيث سمعت بعضهم يقول: «ما أعجب أمر هذه المسلة، وما أبهى منظرها في الليل! انظروا إلى الكتابات المنقوشة عليها، كيف تتوهج كالتبر، ثم انظروا إلى جلال قامتها وامتزاج شكلها وائتلافه بهذا الميدان العظيم.
يقولون: إنها من أقدم الآثار وأجلها شأنا. بارك الله في همة «لويس فيليب» ناقلها إلى باريس، فقد تجشم في سبيل ذلك كثيرا من النفقات والمتاعب. آه! انظروا إلى عيون الطيور المرسومة عليها، كيف تنظر إلينا ببرود واحتقار، ولولا يقيني بأنها صور لا تحس ولا تشعر، لخيل لي أن مناقيرها الحادة تمتد إلينا بالأذى. حقا إن الإنسان لا يتمالك نفسه من ابتسامة يرسلها في الفضاء عندما يرى هيئتها. إن لهذه المسلة شخصية غريبة في وسط هذا الميدان الحديث؛ فهي قصيدة شعرية بقيت لنا منذ الأزل، بل أسطورة تاريخية تحدثنا، نحن الواقفين على أسرارها المطلعين على خفاياها، بوقائع الأزمنة السالفة فلتحيا مسلة باريس المصرية وهي موضع الدهشة والاستغراب بطيورها ورموزها، ولتدم سنين عديدة في مكانها، تلهب في النفوس نيران الغيظ والحسد بقدها المائس.»
وعندما فتحت عيني ونظرت فيما حولي كان الصباح قد لاح، وكانت الغزالة ترسل أشعتها الأولى من خلال النافذة إلى غرفتي. فما أغرب هذا الحلم!
باريس، 19 أغسطس سنة 1911
السحب والإحساس
إلى الأديبة الفاضلة خالدة هانم (معربة بتصرف)
قتام المساء كان يسدل على الأثير ستار الإبهام والغموض. وها هو الفضاء أخذت الحركة تظهر في أرجائه، بعد أن ظل طول يومه باهت اللون جامدا.
وها هي الألوان الفاترة، والأشكال اللطيفة المستترة في طيات السماء، بدأت تظهر في لباس مختلف من الصور والأشكال، حتى ليخيل للناظر أن هنالك رساما خفيا يظهر بريشته الساحرة شخصية تلك السحب اللطيفة التي كانت لا تستقر على حال.
كان بعض هذه السحب لا يكاد يأخذ لنفسه شكلا مخصوصا حتى تنحل أجزاؤه وتتناثر أقسامه في أطراف الجو، والبعض الآخر كان ينمو ويكبر إلى أن يشف فيصعد محلقا في طبقات الجو حتى يغيب عن الأبصار.
Página desconocida