Memorias de una princesa
سوانح الأميرة
Géneros
ننظر اليوم إلى آثار أسلافنا فتدهشنا أعمالهم، فلنحاول نحن أيضا أن ندهش أبصار أحفادنا بجليل ما سنتركه من الآثار والمآثر. لنجتهد ولنبرهن للعالم من طريق حب الوطن بأن قلوبنا مملوءة بالإيمان الصادق، وبأننا نعلم تماما بأن حب الوطن من الإيمان.
القاهرة، 19 ربيع الأول سنة 1328
قصر الأموات1
إحدى صحف الماضي
اليوم فقط أسعفني الحظ فزرت مقابر الجثث الشهيرة التي ظلت راقدة نحو ثلاثة آلاف عام في وادي الملوك براحة وهدوء، وهي في مقرها الحالي في سراي «قصر النيل» ذلك القصر المحتشم. لم أضطرب ولم يلحقني الضيق والكمد، كما لو كنت في وادي الملوك المبطن بالحجارة الملساء، بل تمكنت من رؤية تلك الآثار بكل راحة وهدوء وأنا في هذا الملجأ الأمين الموجودة فيه جثث الفراعنة بين ثنايا الجبال الصناعية لهذا القصر.
فكنت أسير في طرقاته غير هيابة ولا وجلة إلى أن وجدت نفسي في صالة كبرى أمام باب ضخم فولجته في الحال . عند ذلك استقبلني صف من الهياكل الأبدية، وهي مصطفة بترتيب واحد على يمين ويسار المدخل الكبير. نظرت إلى هذه التماثيل فخيل لي أنها تنظر إلى ما حولها بازدراء واحتقار، نعم فهذه الآثار الفرعونية الخالدة، هذه التماثيل العظيمة المنحوتة من الجرانيت الملون كانت تدل بسكونها وصموتها عما مر عليها من الخطوب العظيمة والحوادث الجسيمة.
لم يكن في مقدور الإنسان عدم التأثر بتلك النظرات العميقة التي يسطع نور ضيائها من عيون تلك التماثيل، تلك النظرات المملوءة بالتحية والمؤانسة. إن الناظر إلى هاته التماثيل يتصور أنها - وهي جالسة على تلك القواعد المحكمة - تستعرض أمامها سلسلة العصور التي مرت عليها وتذكر شوارع «منفيس» المزدانة بالأعمدة وطرقاتها المحفوفة بالمعابد النادرة ومواسمها الحارة فتقيس ماضيها الخلاب بحاضرها. فكنت ترى على سيما هاته الهياكل أثر السرور، وعلى شفاهها ابتسامة السخرية والاستهزاء، وفي عيونها بريق اللذة، وفي أعماق قلوبها سر الآخرة.
بمثل هذه الصورة كانت هذه الهياكل الجرانيتية الملونة بالحمرة والسواد، جالسة جلسة الفلاسفة تستعرض انقلابات العالم وتبدلاته العظيمة وتطوراته العجيبة.
تركت بعد ذلك هذه التماثيل ذات العيون الصافية في تأملاتها وخطوت نحو الأمام لمشاهدة الآثار الموجودة في القاعة السفلية، بعد أن توقفت في دهاليز عديدة ومررت على جملة أبواب، فكنت أرى كل الغرف ملأى بالآثار النفيسة التي تعيد إلى الذهن آثار الماضي وخيالاته.
فهاكم آثار مدنية بعيدة مجهولة، هاكم هياكل ومعابد وأعمدة ومقابر «أرمنت» و«منفيس» و«الكرنك» و«الأقصر»، تلك المدن الزاهرة منذ آلاف السنين، تزين الآن هذا القصر الساكن وتزيد مجموعة الآثار الموجودة قيمة تذكاراتها النفيسة.
Página desconocida