قالت: في السينما.
قال من حيث لا يشعر بمعنى ما يقول: مع من؟
فأجفلت مقطبة وأجابته بلهجة فاترة ولكنها مفعمة بالتهكم والتأنيب: أولا أذهب إلى السينما إلا مع أحد؟ ألا تزال في ضلالك القديم؟
قال: وماذا بدا لي من الهدى الجديد فأعدل عن الضلال القديم؟ ولماذا صرفت كلامي إلى ما فهمت؟ ألا يجوز أن تذهبي إلى السينما مع سيدة؟ فلماذا تستغربين السؤال؟
قالت: لأنك غريب في هذه الليلة، ماذا أقول؟ لأنك غريب في كل حين.
ثم اقتضبت على غير انتظار وهي تشيح بوجهها وتهمس بصوت مسموع: هذا شرح يطول، ونحن نهيم في الشوارع على غير مقصد، فأولى بنا أن نرجئ الحديث إلى وقت آخر، ألا ألقاك غدا في المنزل؟ ... غدا في الساعة الخامسة، أسمعت؟
قالت ذلك وهي تستوقف الحوذي وتهم بالنزول عند محطة الترام.
وإنها لتنزل من المركبة إذ تعمدت أن تدنو بوجهها من وجهه وتزم شفتيها وتغمض جفونها قليلا وهي تنظر إليه أو تنظر إلى غير وجهة.
فقبلها كأنه أداة كهربائية ديس على مفتاحها وشعر بالندم وشفتاه لا تزالان على شفتيها، ولكنه شعر به وشعر بنفسه في تلك اللحظة غريقا بعيدا كما يشعر بالجسد الغريق الهامد يراه في أعماق الأوقيانوس الهدار، وقال وهو أيضا نادم: غدا في المنزل.
قالت: في الساعة الخامسة موعدنا القديم.
Página desconocida