قرأ الفصل المتقدم ثم أتاه خادمه يدعوه للعشاء فترك الكتاب وقام يستقبل الكأس والطاس والقدح والكوب مما اختلفت أشكاله وتفاوتت مقاديره. ثم أقبلت عليه إخوانه يسامرونه فمنهم من قال له إني ضربت اليوم جاريتي ونزلت بها إلى السوق على عزم أن أبيعها ولو بنصف ثمنها. وذلك لأنها أجابت سيدتها جوابا سخيفا. ومنهم من قال له وأنا أيضا ضربت أبني أشد الضرب لأني رأيته يلعب مع أولاد الجيران ثم حبسته في الكنيف وهو باق إلى الآن فيه. وبعضهم قال وأنا أيضا حرجت اليوم على زوجتي بأن تطلعني على جميع ما يخطر ببالها ويخلع صدرها من الأفكار والهواجس. وبما تحلمه أيضًا في الليل من الأحلام التي تنشأ عن امتلاء الدماغ من بخار الطعام. أومن دخان الغرام قبل النيام. وقلت لها أن لم تخبرني باليقين أضريت بك أبانا القسيس فيكفرك ويحظر عليك ثم يستخرج منك كل ما تكتمين وتضمرين ويطلع على كل ما تسترين وتخفين وتصونين وعلى ما تحذرين منه، وتحرصين عليه، وترتاحين له وتميلين إليه وتكلفين به. وقد خرجت من داري غضبانا متنمرا وجزمت بأن لا أصالحها إِلا إذا كانت تقص عليّ أحلامها. وبعضهم قال إن مصيبتي في بنتي أعظم. وذلك إنها بعد أن تمشطت اليوم وتعصبت وتعطرت وتطيبت وتوسطت وتبرقشت وتزينت وتبرجت، وتزيغت وتضرجت وتزخفت وتزبرجت وتشوفت وتسرجت وتنقشت وترقشت وتزهنعت وتبرقت وتحلفت وتزوقت وتقينت وتزلقت وتزيرقت وتألقت جلست بالشباك لتنظر الواردين والصادرين. فنهيتها عن ذلك فأنصرفت ثم خالفتني فرجعت إلى موضعها. وأوهمتني إنها تخيط هناك بعض ملبوس لها. فكانت كلما غرزت بالأبرة غرزة تنظر نظرتين. فقمت إليها مستشيطًا غيظًا وجبذتها بشعرها الذي مشطته وعقصته فطلع بيدي منه خصلة وهاهي معي. وهيهات إن تنتهي عن غيها ولو نتفت شعرها كله. فإنها كالمهرة الجامحة بغير عنان. لا يردها لكم بالأكف ولا ضرب بعيدان نعم أن من ملأ أعصاله بألوان الطعام وأذنيه بمثل هذا الكلام فلا بد وأن يكون قد نسي.
ما جرى على الفارياق من الوقوع الحسي والمعنوي ومن فجعه بنعي أبيه. ومن إقباله على نسخ الكتب من ذلك جودة الخط فمن ثم اضطررت إلى الإعادة. وأزيد هنا أن أقول:
1 / 16