ولقتل خمارويه هذا خبر غريب ، وذلك أنه رأى قبل قتله بأيام في منامه رجلا يشير إليه بأصابع يده الخمس ويكرر ذلك عليه. فاستوحش مما رأى وقال : هذه مدة عمري إما خمسة أيام ، أو خمسة أشهر ، أو خمس سنين فأحضر رجلا يحسن التعبير وقص عليه رؤياه. فتخوفه من التأويل الذي وقع له وقال : لا شيء عليك وفسره بقول الله تعالى في سورة لقمان من الآية المفردة بالخمسة الأشياء التي لم يطلع عليها أحد من خلقه ( إن الله عنده علم الساعة ) (2) فسري عنه ، وأمر للمعبر بجائزة سنية. فلما كان بعد ثلاثة أيام رأى أبو الجيش وهو خمارويه المذكور في منامه كأنه قد صعد نخلة ، فلما وصل إلى رأسها أقبل يقور جمارها وقلبها فيرمى به ، حتى بان في النخلة مكان ما تقور من قلبها ، وقد صار في موضع التقوير دم. واستيقظ فقص ذلك على هذا المعبر فقال : خيرا رأى الأمير ، وخيرا يلقاه ، فقال له : أبن على كل حال ، فقال : يعفيني الأمير ، فلم يعفه ولج في المطالبة بالتفسير ، فسأله الأمان على نفسه وماله ، فأعطاه ذلك ، فقال له : أيها الأمير إني أخاف عليك أن يغتالك بعض خاصتك. قال : ومن أين؟ قال : لأنك أنت النخلة ، وتقويرك بيدك قلبها وهو أفضل ما في جسدك وهو قلبك بأيدي قوم اصطنعتهم وهم غرس يدك ، فاحترس. فلما كان في تلك الليلة وهي الخامسة من الرؤيا قتله الخدم ذبحا على منامه ، فضم المنامان والله أعلم.
** فائدة :
طريقة التمثيل. وكثير من معاني القرآن أيضا جرى على التمثيل والتشبيه ، وذلك نحو قوله تعالى ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ) (3) فإنه على
Página 290