مسقط رأسه ومنبت غرسه أمل قلما أسعف بنيله نجح ، أو تبلج لليله صبح ، فاستأذن مولانا السلطان خلد الله تعالى ملكه ، وأجرى ببحار النصر فلكه في استدعائنا من المواطن الشريفة ، ونقلنا إلى سدته المنيفة ، فأذن له فيما استدعى ، وأسعفه بما أكد عزمه على الاستدعا ، فكشف عن وجه عزمه نقابه ، وإذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه.
فجهز إلينا وزيره المعتمد ، وأمره بقطع هذه المدة في أقرب أمد ، فورد علينا والقلوب لوروده فزعة ، والنفوس من وفوده جزعة ، وما ذاك إلا لفراق تلك الديار الشريفة ، والانتقال عن هاتيك الأقطار الوريفة ، مع ما طبعت عليه النفوس من حب الوطن ، والجزع لفقد السكن ، وقد قيل : عمر الله البلدان بحب الأوطان ، وكان يقال : ليس الناس إلى شيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم. وقيل : ميلك إلى موضع مولدك من كرم محتدك.
وقالت الحكماء أن من علامة الرشد أن تكون النفس إلى بلدها مشتاقة ، وإلى مسقط رأسها تواقة ، وقال الشاعر (1):
أحب بلاد الله ما بين منعج
إلي وسلمى أن يصوب سحابها
فراجعنا الوالد في فسخ هذا العزم الذي أبرمه ، وإطفاء هذا الوجد الذي أضرمه ، فلعل الله أن يمن بالاجتماع في أشرف البقاع ، ويطوي مسافة البين من البين ، فلن نعدم منه سبحانه كافيا.
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا (3)
فلم تثن مراجعتنا له عزما ، ولم تغن إلا تصميما وجزما ، فأعاد الجواب
Página 33