قال: «صدقت، لكني لا أعني الفائدة الشرعية وصيانة الحقوق، وإنما أعني الفائدة التي يطلبها الناس من أعمالهم، أم أنت مثلي تهتم بالعلم لأجل العلم نفسه؟»
قال: «أطلب العلم لأجل العلم، ولكن العاقل قد يستفيد منه فوائد أخرى.»
فأدرك أبو الحسن أنه يشير إلى ما يتوهم الهكاري أنه استنبطه من مطالعة تاريخ طغرل بك من تلقاء نفسه حتى حرض صلاح الدين على زواج أخت الخليفة. فعمد إلى إطرائه والتغرير به ليتوصل إلى مرامه فقال: «إنك حكيم عاقل، وقد علمت الآن صدق خدمتك للسلطان صلاح الدين. ألم تكن أنت أشرت عليه بخطبة أخت الخليفة؟ لا تنكر ذلك.»
فأراد أن يتواضع ويتنصل من ذلك الفضل فقال: «ليس لي هذه الدالة يا أبا الحسن.»
فقال: «مهما يكن من تنصلك، فأنا أعتقد نفوذ كلمتك. والآن أتعلم لماذا جئتك؟» قال: «لا.» قال: «جئتك لأمر إذا علمت كيف تفهمه وتقوم به خدمت مولاك خدمة حسنة، وإن كان فيه خدمة لصديقك أبي الحسن ولك أيضا.»
فتطاول بعنقه وقال: «رحم الله من نفع واستنفع، قل ما وراءك.»
قال: «أتعلم أن الإمام العاضد في حال الاحتضار الآن؟» قال: «أعلم أنه مريض، فهل اشتد عليه المرض؟»
قال: «إنه في أشد حالات المرض، وإذا مات صارت الخلافة إلى ولي عهده، وأنت تعلم أنه غلام عنيد لا يعرف فضل الرجال.»
قال: «اسمع. إني مطلعك على سر يهمك الاطلاع عليه، إن العاضد مائت الليلة أو غدا. وأنت أكثر أهله معرفة بفضل السلطان صلاح الدين. لا أقول إني أحب أن يتولى هذا الأمر ويخرجه من أيدينا. ولو قلت لك ذلك لا تصدقني، ولكنني أعلم أن مقاومة القوة الغالبة لا تفيد شيئا. وإذا صارت الخلافة إلى ولي العهد الذي تعرفه كان ذلك باعثا على القلاقل. إني أعرف أفكاره وأعلم أنه ينوي أن يثير الشيعة ويحرضهم على مناوأة السلطان ورجاله. وهذا لا يفيد أحدا من الجانبين، ولا أخفي عليك أن العاضد كان معتزما أن يجعل ولاية العهد إلي فأوصى بذلك على يد الجليس الشريف وأوشك أن يكتب العهد لكن المرض منعه. فأخاف إذا توفي في مرضه هذا أن ينكر رجاله وأهله علي ذلك. فإذا أخذتم بيدي وصيرتم هذا الأمر إلي عرفت لكم فضلكم وأغنيتكم عن التعب. أرجو أن تكون قد فهمت مرادي، وأظن ما بيننا من الصداقة القديمة يكفي للوثوق بي والتعويل على قولي.»
وكان الهكاري يسمع كلام أبي الحسن ويفكر فيه. فلما وقف عند هذه العبارة سأله: «ثم ماذا؟» قال: «أعني إذا خاطبت أنت السلطان صلاح الدين في الأمر، وعرضت عليه هذا الرأي كأنه منك فيعرف لك هذا الفضل وأنت رابح من كل وجه. إن ما أعرضه عليك عظيم الأهمية وفيه نفع للسلطان ولك ولي فما قولك؟»
Página desconocida