فابتدرتها بلهفة وقالت: «نعم إياه أعني. أعني ذلك الشهم الباسل!» قالت ذلك وقد عاد إليها نشاطها وتحمست وبان الاهتمام في عينيها.
فتقدمت ياقوتة إليها وهي تبتسم وقد شاركتها ذلك الشعور وقالت: «الآن فهمت المراد. قد عرفت الشاب جيدا ولا أنسى ذلك اليوم.»
فقالت سيدة الملك: «هل عرفت اسمه؟» فأطرقت الحاضنة وأعملت فكرتها كأنها تراجع ذاكرتها ثم قالت: «نعم علمت اسمه، ولكن هل تعلمين أنت من هو وما هي علاقته بصلاح الدين عدونا الألد الذي يشكو أخوك أمير المؤمنين ظلمه؟» قالت: «لا. لا أعلم.» قالت: «إنه من رجال خاصته، لا يخطو خطوة إلا وهو معه!»
قالت وهي تبتسم: «فهو إذن قد نال ثمرة تلك المناقب السامية فتقدم عند مولاه. وما اسمه؟» قالت: «اسمه عماد الدين. وكثيرا ما رأيته واقفا بباب قاعة الذهب في انتظار صلاح الدين وهو عند مولانا أمير المؤمنين. ألم تشاهديه من نافذة قصرك؟» قالت: «لم أشاهده هناك، لكنني رأيته غير مرة واقفا بباب هذا القصر يخاطب الأستاذ بهاء الدين قراقوش وعيناه لا ترتفعان إلى النوافذ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا كأنه لا يعرف أهل هذا القصر. وكثيرا ما وددت لو يرفع بصره لعله يلتقي ببصري، وربما أقرأ في عينيه شيئا يدلني على رأيه في، فلم يزدني ذلك إلا شغفا بمناقبه. اعذريني يا خالة. طالما كتمت هذا الحب حياء وخجلا وكنت أرى في كتمانه لذة. أما الآن فقد بحت به وقضي الأمر.»
فقالت: «أنت يا سيدتي تحبين عماد الدين، خادم صلاح الدين! بالله ما هذا؟ كيف علقت به من النظر إليه مرة واحدة. هذا أمر عجيب، إن بين أعمامك وفي قصور أخيك عشرات من الشبان أجمل منه، ويقع نظرك عليهم منذ أعوام، وكلهم يتمنون نظرة منك ولكنك لم تكترثي لأحد منهم!»
فقالت سيدة الملك: «صدقت يا خالة إني أكثر منك استغرابا لما أصابني من تلك النظرة! ولكنها في الحقيقة ليست نظرة. إنها ساعة أطول من العمر كله. كنت فيها بين الحياة والموت فنظرت ذلك الشاب وأنا أكاد ألقى وجه ربي أو أتلطخ بالعار. فمد يده وأنقذني. فخيل لي أنه ملاك هبط علي من السماء!»
قالت ذلك وعادت إلى الإطراق وقد توردت وجنتاها.
فقالت ياقوتة: «إذن أنت تحبين عماد الدين؟»
فأبرقت عيناها رغم ذبولهما من البكاء والانكسار وابتسمت ابتسامة لطفت ما تكاثف في وجهها من الحزن، وأومأت برأسها أن «نعم»، وأسرعت إلى الغطاء فرفعته إلى رأسها استحياء.
وقع قولها عند ياقوتة موقع الاستغراب وقالت وهي تزيح الغطاء عن وجهها بلطف: «نعم يا سيدتي إن عماد الدين شهم نادر المثال، ولكنه لا يليق بسيدة سليلة المعز لدين الله.»
Página desconocida