Prisionera de Teherán
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Géneros
تدريجيا قل وجود رجال الجيش في الشوارع، وأكد الجميع أن السبب في ذلك هو إدراك الشاه أخيرا أن استخدام القوة المفرطة لن يؤدي إلا إلى إشعال المزيد من نيران الثورة. وذكر البعض أيضا أن العديد من الجنود بدءوا يرفضون الأوامر بإطلاق النيران على المتظاهرين. الآن، ومع أن الشاحنات العسكرية لا تزال تمر أحيانا، لم أعد أرى جنودا يصوبون بنادقهم نحو الحشود المتظاهرة.
لم يبد على والدي الاهتمام بما يحدث في البلاد، ولم يأخذا الحركة الإسلامية على محمل الجد، بل اعتقدا أنها فترة اضطراب وليست ثورة، وأن الشاه أقوى من أن يهزم على يد حفنة من الملالي ورجال الدين. وهكذا مع أن أمي كانت تؤكد علي دائما ضرورة التزام الحذر عند الخروج من المنزل، فإنها كانت تقول إن السحب المظلمة سوف تنقشع قريبا. •••
نفي الشاه من إيران في السادس عشر من يناير عام 1979. أطلق سراح السجناء السياسيين، وأقيمت الاحتفالات في جميع الشوارع. راقبت من نافذتي الناس وهم يرقصون والسيارات وهي تطلق أبواقها ابتهاجا. عاد الخميني إلى البلاد في الأول من فبراير بعد رحلته الطويلة في المنفى ما بين تركيا والعراق وفرنسا. ومع اقتراب طائرته من إيران سأله أحد الصحفيين عن شعوره تجاه العودة للديار، فأجاب أنه لا يشعر بشيء. أصابني الاشمئزاز من كلماته؛ كيف لا يشعر بشيء وقد فقد الكثيرون حياتهم ليمهدوا الطريق لعودته أملا في أن تصبح إيران بلدا أفضل؟ بدا لي وكأن ماء باردا يجري في عروقه بدلا من الدم.
فور عودة الخميني سمعت أن الجيش ما زال مخلصا للشاه. بقيت الدبابات والشاحنات العسكرية منتشرة في الشوارع، وظل مستقبل البلاد غامضا تماما مدة شهر أو نحو ذلك. تولت حكومات الطوارئ العسكرية إدارة معظم المدن، واستمر حظر التجول العسكري، بينما طلب الخميني من الناس أن يصعدوا إلى أسطح المنازل في التاسعة من كل ليلة ويصيحوا «الله أكبر» لمدة نصف ساعة متواصلة تعبيرا عن تأييدهم للثورة. لم أشترك أنا ووالداي قط في جلسات التكبير هذه، لكن معظم الناس فعلوا، حتى أولئك الذين لم يكونوا داعمين حقيقيين للثورة. ساد البلاد شعور بالتضامن، وتطلع الشعب إلى مستقبل أفضل ترفرف فيه أعلام الديمقراطية. •••
وفي العاشر من فبراير عام 1979 نزل الجيش على إرادة الشعب الإيراني، وفي الحادي عشر من فبراير أعلن الخميني عن قيام حكومة مؤقتة يرأسها مهدي بازركان.
سرعان ما انتشر الحرس الثوري المسلح وأفراد من الجماعات الإسلامية في كل مكان ينظرون في ارتياب إلى الجميع، وألقي القبض على مئات الأشخاص بتهمة انتمائهم إلى السافاك - البوليس السري التابع للشاه - وزج بهم في السجون وصودرت متعلقاتهم، وأعدم البعض بدءا من كبار المسئولين في النظام السابق الذين لم يغادروا البلاد، ونشرت صور مفزعة للجثث المغطاة بالدماء في الصحف. في تلك الأيام، تعودت ألا أرفع بصري وأنا أسير بجوار أكشاك الصحف.
لم يمر وقت طويل على اندلاع الثورة حتى أعلن تحريم الرقص وحظره، وفقد والدي وظيفته في وزارة الثقافة والفنون، ليعمل بعدها مترجما وسكرتيرا في مصنع الصلب الذي يملكه العم بارتيف. كان يعمل لساعات طويلة في اليوم ويعود إلى المنزل مرهقا حزينا، وكالعادة لم أكن أراه إلا لماما، بل أقل مما سبق. وأثناء وجوده بالمنزل كان يقرأ الجريدة ويشاهد التلفاز وعلى وجهه نظرة جادة يطالبني فيها بعدم الإزعاج، ولم نكن نتحدث إلا نادرا.
فتحت المدارس أبوابها من جديد واستأنفنا الدراسة، لكننا وجدنا مديرة المدرسة البارعة التي كانت على صلة وثيقة بوزير التعليم السابق في زمن الشاه قد رحلت، وسمعنا أنها أعدمت. لقد أثبتت تميزا في إدارة المدرسة أعواما عديدة، وشعرنا بغيابها من كل النواحي. انتشرت الشائعات عن استبدال معلمين مؤيدين للحكومة بمعظم معلمينا، وما زاد الأمر سوءا أن مديرتنا الجديدة - محمودي خانم - كانت فتاة متعصبة في التاسعة عشرة من عمرها تنتمي إلى الحرس الثوري، وترتدي الحجاب الإسلامي الكامل. لم يكن الحجاب إلزاميا حينها، لكن بدا أن القواعد على وشك أن تتغير. والحجاب هو الغطاء المناسب لجسد المرأة، وقد يتخذ أشكالا عديدة أحدها الشادور. بعد أن أصبح ارتداء الحجاب إلزاميا في المدن الكبرى وخاصة طهران، كان معظم النساء يرتدين - بدلا من الشادور - ثوبا طويلا فضفاضا يسمى العباءة، ويغطين رءوسهن بأوشحة كبيرة؛ وهو ما كان شكلا مقبولا من أشكال الحجاب لو ارتدته المرأة على نحو لائق.
ظلت حرية التعبير قائمة بضعة أشهر بعد اندلاع الثورة؛ ففي المدرسة كانت مختلف الجماعات السياسية تبيع صحفها بحرية، وأثناء الاستراحة تدور المناقشات السياسية في فناء المدرسة. لم أكن قد قابلت أي ماركسيين من قبل، ولكنهم أصبحوا الآن في كل مكان، وهناك أيضا منظمة «مجاهدي خلق». كانت كل تلك الجماعات السياسية محظورة في زمن الشاه، لكنها ظلت تعمل سرا عدة سنوات. لم أكن أعلم أي شيء عن المجاهدين، وبدا لي أن هناك الكثير لأعرفه عنهم. أخبرتني صديقة ماركسية أن المجاهدين كانوا في الأصل ماركسيين ضلوا الطريق وآمنوا بالله واعتنقوا الإسلام؛ كانوا مسلمين اشتراكيين يؤمنون بأن الإسلام بوسعه أن يقود إيران نحو العدالة الاجتماعية ويحررها من التغريب. كانوا قد نظموا صفوفهم وتسلحوا في الستينيات، وقاتلوا من أجل الإطاحة بالشاه، ولكنهم لم يكونوا أتباعا للخميني؛ فقبل أن يسطع نجم الخميني بعدة سنوات كانوا قد شنوا العديد من الاحتجاجات ضد الشاه، وتعرض أعضاؤهم - الذين كان معظمهم من طلبة الجامعة - للتعذيب والإعدام في «إيفين»، لكن كونهم جماعة إسلامية كان سببا كافيا لأقرر عدم الانضمام إليهم.
كان أرام يذهب إلى مدرسة فتيان مجاورة لمدرستي اسمها «ألبرز»، وذات ظهيرة بعد أسبوع من استئناف الدراسة كنت عائدة إلى المنزل عندما سمعته يناديني. كاد قلبي يتوقف، فقد ظننت أنه يحمل أخبارا عن شقيقه، لكنه أخبرني أنه أراد رؤيتي فحسب، وعرض علي أن يسير معي إلى المنزل، فتنفست الصعداء. بالرغم من يقيني أن أراش قد مات، فقد كنت أخشي سماع ذلك.
Página desconocida