Sykes
لأنه لا يؤيد الصهيونيين، ولم يتأخر إعلان الوعد - وعد بلفور - إلا لمصلحة هؤلاء الصهيونيين، إذ كانوا ينتظرون النصر الحاسم في جانب الحلفاء قبل أن يجهروا بتأييدهم، محافظة على حبل الاتصال بين الجانبين.
هذه هي أساليب الصهيونية العالمية في السياسة الشرقية لا نظنها من تدبير هيئة مسيطرة قائمة في جميع الأوقات، ولكنها أسرار تعرف في أوقاتها، وفرص تغتنم من القادرين عليها، ولا حاجة بالصهيونية العالمية إلى تدبير أثبت من هذا التدبير.
الفصل الثاني عشر
الصهيونية العالمية ... أساليبها في العصر الحاضر (1)
تختلف أساليب الصهيونية بين عصر وعصر على حسب اختلاف الحوادث والأفكار والمناسبات واختلاف وسائل الإقناع والدعاية والتأثير، ولكنها في جوهرها شيء واحد، تتلخص في استطلاع الأسرار والخفايا وتسخير سلطان المال لاستغلال الحركات الاجتماعية والعلاقات الشخصية بذوي النفوذ، والاتجاه بها إلى الوجهة التي تحقق لها مصالحها وأغراضها.
وينبغي قبل البدء ببيان هذه الأساليب، أن نعلم أنها بطبيعتها أساليب هدم ومقاومة، وأساليب غش وتضليل، ولا مناص لها من ذلك إلا إذا خرجت على طبيعتها وتخلت عن وجودها؛ لأنها لا تستطيع البناء والتعمير، ولا تستطيع الأمانة والعمل الصريح.
إنما تستطيع الصهيونية البناء إذا استطاعت أن تقيم دعواها على عقيدة تنشرها وتدعو الأمم إلى الإيمان بها، ولكنها إذا فعلت ذلك نقضت دعواها الأولى والأخيرة، وهي احتكار الإله لنفسها، والإيمان بأنه إله إسرائيل كما يدعونه في الصلوات، وليس للأمم الأخرى حظ من رضاه.
فالصهيونيون الذين يزعمون أن الله لهم وحدهم، وأنهم شعب الله المختار، دون غيرهم، لن يقبلوا مشاركة أحد لهم في هذا الاحتكار، ولن تراهم قط مبشرين بدين يدعون الناس إلى الدخول فيه، خلافا لأصحاب الأديان أجمعين.
إنهم كأصحاب الميراث الذين لا يقبلون شريكا فيه، أو كأصحاب الشركة التي ينفردون بها ولا يوزعون على أحد سهما من أرباحها، فليس في استطاعتهم أن يقيموا سلطانهم على عقيدة عامة تشاركهم فيها الأمم، وليس في استطاعتهم أن يقنعوا الناس صراحة بقبول الفكرة النابية، وكل ما في وسعهم أن يهدموا عقائد الناس وأخلاقهم ودعائم أفكارهم وشرائعهم، ثم لا يخلفوها بعقيدة أخرى تقف لهم في الطريق.
Página desconocida