الموافقة كما جاء فى الأثر: " فأشاروا عليه بأن يكتبها " (^١).
ويدل هذا الهمّ والموافقة على حجية السنة عند الصحابة ﵃.
ويدل على أنهم من أنصار تدوين السنة المطهرة، وحفظتها!
وكتب عمر إلى عُمَّاله كتابًا فى كتابه إلى عتبة بن فرقد ﵁؟، وهو القائل "قيدوا العلم بالكتاب" (^٢)، وجمع عمر الوثائق الخاصة بالزكاة والخراج والمسائل المالية الأخرى (^٣)، وأدخل نظام الدواوين فى الأعمال الرسمية (^٤)!.
وروي عن عمر ﵁ أنه قال: " إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتَبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا " (^٥).
" وكان الصواب ما رأى عمر، فالعصر عصر صحابة للنبى ﷺ لا عصر تابعين، وهم أشبه ما يكون بحوارى عيسى ﵇، ولنا فى أهل الكتاب تجربة حين سجل أصحاب النبى عيسى ﵇، ما سمعوه وما رأوه، نسبت الأناجيل إليهم لا إلى عيسى، ولا إلى الله تعالي، ... فكان الحذر والحيطة من عمر ﵁ بالعدول عن التدوين، إذ لو فعل لم يأمن أن تتعدد كتب السنة بتعدد قائليها، وتتنوع بتنوع أسماء كاتبيها، فتكون أناجيل فى الأمة، ويهمل الكتاب الأصلى الذى هو درة التاج، وقلادة العقد.
لمن هذه البصيرة النافذة إن لم تكن لعمر بعد النبى ﷺ؟!
ولمن هذا القول الفصل إن لم يكن للفاروق بعد الرسول ﷺ؟!
ولمن هذا الحرص الشديد إن لم يكن لهذا الغيور على دينه؟!
فياليت قومى يعلمون (^٦) أ. هـ.
وأشهر ما كتب من السنة فى زمن النبوة وبعده إلى زمن التدوين الرسمى:
١ - الصحيفة الصادقة التى كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص ﵁ عن رسول الله ﷺ، وإن لم تصل هذه الصحيفة كما كتبها عبد الله بن عمرو بخطه فقد وصل إلينا محتواها، لأنها محفوظة فى مسند الإمام أحمد (^٧)، حتى ليصح أن نصفها بأنها أصدق وثيقة تاريخية تثبت كتابة الحديث على عهد رسول الله ﷺ، ويزيدنا اطمئنانًا إلى صحة هذه الوثيقة أنها كانت نتيجة طبيعة محتومة لفتوى النبى ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا! فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: " اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ " (^٨). وآية اشتغال ابن عمرو بكتابة هذه الصحيفة وسواها من الصحف قول أبى هريرة ﵁: " مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ " (^٩).