المَجَمّ١، قلِق الوَضِين٢، رابط الجأش٣، وهو ألْوى، بعيد المُسْتَمَرّ٤، وهو شراب بِأنقع٥، وهو جُذَيْلُها المحكَّك وعُذَيقُها المُرَجَّب٦، وَمَا اشبه هَذَا من بارع كلامهم ومن الإيماء اللطيف والإشارة الدّالة.
وَمَا فِي كتاب الله جلّ ثناؤه من الخطاب العالي أكثر وأكثر، قال الله جلّ وعزّ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ ٧، و﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ ٨، و﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ ٩، و﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ ١٠، و﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ ١١، و﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ وهو أكثر من أن نأتي عَلَيْهِ.
وللعرب بعد ذَلِكَ كَلِم تلوح فِي أثناء كلامهم كالمصابيح فِي الدُّجى، كقولهم للجَموع للخير: قَثُوم، وهذا أمر قاتِم١٢ الأعماق، أسود النواحي، واقتحف١٣ الشرابَ كلّه، وَفِي هَذَا الأمر مصاعبُ وقُحَم١٤، وامرأة حييّة قدِعة١٥، وتَقَادَعوا تقادُعَ الفراش فِي النار، وَلَهُ قَدَم صِدق، وذا أمر أنت أردته ودبّرته، وتقاذَفَتْ بِنَا النَّوى، واشْتَفَّ الشراب، ولك قُرعة هَذَا الأمر خياره، وما
_________
١ ضيق المجم: أي ضيق الذراع، والأصل مجم البئر وهو مجتمع مائها.
٢ قلق الوضين: أي بطانها من الهزال.
٣ رابط الجأش: أي شديد البأس، والجأش: الصدر.
٤ ألوى بعين المستمر، يضرب مثلا للرجل الذي لا يطاق نكارة، انظر جمهرة الأمثال: ١/ ٣٢.
٥ شراب بأنقع، يضرب مثلا لمن يعاود الأمر مرة بعد مرة. والأنقع: جمع نقع وهو الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء. انظر مجمع الأمثال: ١/ ٣٦٠.
٦ جزيلها المحكك يضرب للرجل يستشفى بعقله ورأيه، مجمع الأمثال: ١/ ١٦٠. والجذل أصل الشجرة.
٧ سورة البقرة، الآية: ١٧٨.
٨ سورة "المنافقون"، الآية: ٤.
٩ سورة الفتح، الآية: ٢١.
١٠ سورة النجم، الآية: ٢٨.
١١ سورة يونس، الآية: ٢٣.
١٢ القاتم: الأغبر يعلوه السواد، وتطلق مجازًا على الأمر الشديد.
١٣ اقتحف: من القحف، والاقتحاف هو شدة الشرب.
١٤ يقال: قحم في الأمر: رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية. وقحم الطريق: مصاعبه.
١٥ المرأة القدعة: المرأة القليلة الكلام الحيية، والتقادع: التتابع في الشيء، والتهافت.
1 / 23