وقد أظهر القبط في هذه الآونة من أدلة الميل إلى دوام الارتباط بينهم، وبين إخوانهم الأحباش ما قاموا به من الاحتفالات الفائقة لسمو الأميرة الحبشية منن قرينة سمو الرأس تفري، التي زارت مصر بعد عودتها من القدس الشريف وقيام أفاضل القبط بواجب الضيافة.
ولولا أن شرح العلاقة بين الأمتين قد تطول كثيرا لو استقصينا الحوادث التاريخية لما اكتفينا بهذا البيان الوجيز، الذي نعتبره ملخص تاريخ العلاقة الدينية.
ترجمة نيافة الحبر الجليل جزيل الطوبى والاحترام الأنبا متاؤس
ترجمته الشريفة
ما بزغ شهر يناير سنة 1923 إلا وطارت الأنباء للدار البطريركية الأرثوذكسية بقدوم حضرة صاحب النيافة كلي الطهر والورع، الأنبا متاؤس مطران كرسي المملكة الحبشية، فبدأت البطريركية في استقباله استقبالا يليق لهذا الحبر الجليل من التجلة والاحترام، وأرسلت وفدها لمقابلته على ميناء السويس وعادوا بنيافته إلى العاصمة، حيث قوبل فيها من عموم الطائفة بالسرور والابتهاج مهنئينه بقدومه السعيد، وقد تفضل جلالة فؤاد الأول ملك مصر والسودان، فأوفد من قبله مندوبا لتبليغ تحيات جلالته، وغصت الدار البطريركية بكل عظيم ووجيه، ودقت الأجراس سرورا وحبورا وفتحت أبواب الكنيسة المرقسية الكبرى، وأقيمت فيها صلاة شكر لسلامة وصول نيافته، وأنشد الشمامسة أناشيد الابتهاج وساروا أمام نيافته حاملين الصلبان حتى مدخل الكنيسة، ولا يمكن وصف اغتباط الشعب ومنتهى سروره برؤية طلعة هذا التقي الورع، الذي طال اغترابه عن أنظارهم زمنا طويلا، حيث كانت زيارته الأخيرة للوطن عام 1902م.
نيافة الحبر الجليل جزيل الطوبى والاحترام الأنبا متاؤس «مطران كرسي المملكة الحبشية».
ولقد حظي بمقابلة جلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر والسودان صباح يوم الاثنين الموافق 29 يناير، سنة 1923 مصحوبا بحضرات الآباء المحترمين الأنبا يؤانس مطران كرسي الإسكندرية، والأنبا باخوميوس أسقف الدير المحرق، فأكرم وفادته إكراما دل على مكانته السامية في القلوب.
ولما كان مركز نيافته الحالي من أهم المراكز الدينية والسياسية؛ لتدخله في أكثر شؤون المملكة الحبشية وكثيرون يجهلون تاريخ حياة نيافته، فقد رأينا أن نأتي على لمحة من تاريخه الشريف، وسرد ملحوظاتنا عليها وهو كل ما وصلنا إليه فنقول:
ولد نيافته في بلدة بني خالد إحدى قرى مديرية أسيوط، وشب عاكفا على الآداب والتقوى ثم دخل في دير المحرق في عهد المتنيح المثلث الرحمة الأنبا أبرام الذي كان اسمه وقتئذ القمص بولس، وهذا كان رئيسا للدير المذكور قبل أن يرسم أسقفا على كرسي الفيوم، ولما كثرت إحسانات وعطايا هذا القديس المتنيح، عزل بمعرفة الأنبا مرقص مطران كرسي البحيرة في ذاك الوقت للسبب المذكور مدعيا أن إيراد الدير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكفي لسد حاجة هؤلاء المعوزين، وهكذا كان نصيبه وجزاؤه.
وبعد نهاية المدة التي مكثها نيافة المترجم في دير المحرق، انتقل راهبا إلى دير العذراء بالبراموس بالبرية في عهد المتنيح الأنبا مرقص مطران كرسي البحيرة، ورسم نيافته أسقفا للحبشة سنة 1597 للشهداء/1891 ميلادية، وقد كان هناك الأنبا بطرس، فلما ذهب إلى بلاد الأحباش سار بحكمة لذكائه الطبيعي وبقي هناك في مدينة النجاشي منليك حتى إذا ارتقى عرش المملكة دبر سيادته بأحسن طريقة الملك، فكان جزاؤه أن حاز رضا النجاشي التام، وحصل على درجة لم ينلها مثله ممن تولوا الإمامة إلا نادرا، فإنه فضلا عن أنه صار كبير الأساقفة هناك، فإن النجاشي لا يعمل عملا ولا يصدر حكما إلا بعد أن يستشيره فيه مكافأة له على حسن تدبيره وعنايته التامة، وسعيه المتواصل لإعلاء منار المملكة، وتقوية دعائم الدين المسيحي، وتثبيت أركانه في تلك البلاد الشاسعة الإرجاء، وقد ثبت في يوم الأحد 16 فبراير سنة 1902 في درجة المطرانية عظيمة القدر باحتفال حافل جدا لم يسبق له مثيل من قبل، ولقد ذاع صيته في أقطار المسكونة، كما أن أحد كبار الإفرنج جاهر بما لنيافته من المقام الأسمى والاحترام الكلي، والكلمة المسموعة والباع الطويل في أمور المملكة، وأطنب في صفاته الشخصية إطنابا عظيما، وذكر ما لمكانته بين ذاك الشعب من الإجلال حتى إنه وصفه ببابا رومية عند طائفة الكاثوليك.
Página desconocida