146

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Géneros

خدماته ومآثره الجليلة بالمجلس الملي العام والجمعيات الخيرية وغيرها

وقد يرتاح ضمير المؤرخ من إثبات الحقائق الواقعة، وتجنب التزلف والتملق لغايات دنيئة في النفس، كما قد يسر إذا هو دون لأصحاب المروءات مروءاتهم، ومآثرهم الخالدة أمثال أعمال معالي صاحب هذه الترجمة، وهي صحيفة بيضاء، نثبتها له تظل ناطقة له بالفضل والإعجاب بين دفتي التاريخ ما دامت السماوات والأرض.

وإننا نفخر بتسطير جلائل أعماله، وعظيم خدماته لأبناء طائفته وكذا المعاهد العلمية والجزئية التي مدها بثاقب فكره وغزارة ذكائه؛ ليقف عليها أبناء الأجيال المقبلة فيسدونه ما يستحقه من الشكر والثناء.

انتخب معاليه عضوا بالمجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس عام 1890م بطريق الانتخاب، وكان هذا المجلس مركبا من اثني عشر عضوا واثني عشر نائبا، يختارون بطريق الانتخاب في جمعية عمومية تعقد بالدار البطريركية من أبناء الطائفة القبطية عموما، ثم انتهت مدة عضوية هذا المجلس في سنة 1891، واستعيض عنه باللجنة الملية، التي اختير فيها أيضا معالي صاحب الترجمة لأن يكون عضوا فيها في سنة 1892، ثم انتخب عضوا بالمجلس الملي العام للمرة الثانية عام 1906 بطريق الانتخاب بالكيفية السالفة الذكر، وكان المجلس أيضا حافظا لعدد أعضائه ونوابه السابق بيانه، وعند الانتخاب نال صاحب الترجمة أكثر الأصوات، فكان أول المنتخبين لجدارته، وعظيم كفاءته في تصريف الأمور بحنكة ودراية، وحل المشكلات القضائية حلا مرضيا بضميره الطاهر وبعده عن التحيزات الشخصية، ثم استمر إلى أن انتهت مدة هذا المجلس، وتجددت بالكيفية عينها إلى سنة 1912، حيث صدر دكريتو بأن يكون الأعضاء المنتخبون ثمانية فقط، فانتخب معاليه ضمن هؤلاء الأعضاء، كما انتخب أيضا بعد انتهاء هذه المدة في سنة 1918 عضوا بالكيفية ذاتها، واستمر في هذه العضوية يفصل في القضايا والإشكالات بعين ملؤها العدل والنزاهة، إلى أن حاز رتبة الوزارة سنة 1920، فطلب الإقالة وقتئذ من عضوية المجلس الملي العام لما رآه من عدم ملاءمة استمراره في عمله هذا مع الأعمال الجديدة التي أسندت إليه بمسند الوزارة.

ولا يمكن لنا أن نحصر كثرة أعماله المجيدة، والمآثر الفريدة التي قدمها للجمعيات الخيرية، التي يعتبر معاليه عضوا ومؤسسا لها، حيث قدم لها من ماله الخاص الشيء الكثير، وقام بإصلاح المختل من نظامها، فأطلق الألسن بالشكر والثناء والدعاء بحفظ ذاته الكريمة من كل سوء.

استقباله لسمو عقيلة ولي عهد المملكة الحبشية والاحتفاء بها

وقد دل احتفاؤه العظيم ومروءته العالية يوم أن شرفت حضرة صاحبة السمو الإمبراطوري الأميرة منن عقيلة صاحب السمو ولي عهد المملكة الحبشية في سراي معاليه بعد زيارتها للقدس الشريف.

حضرة صاحب المعالي يوسف باشا سليمان وزير المالية سابقا بملابسه الملكية.

وذلك أنه عندما زارت سموها القدس الشريف أرسلت كتابا لغبطة بطريرك الأقباط، تظهر فيه رغبتها في زيارة مصر حال عودتها لاستمداد دعواته، وبركاته الصالحة من فمه الطاهر، وإنها ستقيم من أسبوع إلى عشرة أيام وفي الوقت نفسه أرسلت لسكرتير غبطته يوسف لما الحبشي تلغرافا تكلفه فيه بأن يحجز لها ولحاشيتها المؤلفة من أميرة من أمراء البيت المالك هي الأميرة ويزرو كاسلاورك والدحاز ماتوس «الجنرال» هيلا ثلاثي وبلانا هروي رئيس محكمة الأجانب، والأب ولد مريم كاهن الأميرة وغيرهم جناحا في منزل شبرد، فلما أطلع غبطة البابا على هذا التلغراف أرسل لسموها كتابا أعرب فيه عن مزيد سروره بمقدمها السعيد إلى القطر المصري، وإن غبطته يرى أن تنزل على الرحب والسعة والإجلال في سراي معالي صاحب الترجمة الكائنة بالعباسية «وهي تلك السراي التي قل وجود نظيرها في فخامة البناء، وجمال الموقع وطلاقة الهواء، ذات الحديقة الغناء البعيدة عن الغوغاء»، فجاء من سموها الرد في الحال تشكر غبطته ملبية الطلب، وحلت وحاشيتها فيه يوم السبت الموافق 14 أبريل سنة 1923 الساعة 11 مساء، حيث استقبل سمو الأميرة في محطة مصر مندوب من قبل جلالة الملك هو معالي سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء، ومندوب آخر من قبل فخامة اللورد اللنبي وهو جناب السير سكوت مستشار دار المندوب السامي وصاحب النيافة الأنبا متاؤس مطران المملكة الحبشية، الذي كان قد جاء لمصر من قبل قدومها للتبرك من غبطة البابا المعظم والاستشفاء من مرض ألم به، وكذا جناب قنصل إيطاليا وجناب قنصل فرنسا، وعدد كبير من أعيان الأقباط، وفتح لسموها الباب الملكي، فخرجت منه ويممت سراي حضرة صاحب المعالي يوسف سليمان باشا صاحب هذه الترجمة، حيث نزلت هي وحاشيتها ضيوفا أعزاء على مضيفهم الكريم، وفي صباح وصولها وكان يوم الأحد 15 أبريل سنة 1923 بكرت سموها وحاشيتها لحضور الصلاة في الكنيسة المرقسية الكبرى، التي اكتظت بألوف من أفراد الشعب القبطي رجالا وسيدات، وكانت الأعلام الحبشية والمصرية تخفق على الدار البطريركية.

وقد زين المدخل وفناء المدرسة القبطية الكبرى بزينة تبهر الأبصار، وبعد انتهاء القداس صعدت سموها إلى القصر البطريركي يحفها الوقار والإجلال، فاستقبلها غبطة رئيس الأحبار مرحبا بها مهنئا إياها بسلامة الوصول مباركا إياها داعيا لها، ولجلالة الإمبراطورة، ولسمو ولي العهد ولجميع رجال المملكة الفخام.

Página desconocida