قلت لها: إنني ما أمسكت في حياتي بمضرب التنس، ولا حنوت على كمان، ولا ذهبت إلى رحلة في الجبل إلا مرة واحدة، المرة التي التقطت فيها هذه الصور.
فقالت في نظرة مستفهمة: كيف؟ - كنت أمثل دور عضو جمعية الموسيقى ... وعضو جمعية التنس، وعضو جمعية الكشافة.
ووجدتها غارقة في صمتها، ودهشتها فزدتها إيضاحا: كنا في مدرسة أهلية ... وكانت الحكومة تعطي إعانة للمدارس الأهلية، وكان من شروط الإعانة أن تكون المدارس التي تطمع في الإعانة تباشر ألوانا من النشاط الاجتماعي والرياضي والفني ... فجمعنا الناظر ذات يوم قبيل نهاية العام والتقطت لنا هذه الصور ليقبض هو الإعانة.
ولم أعرف هل اقتنعت زوجتي أم لا؟ ولكنها أجابت: على أية حال ... إن هذه الصور تظهرك في أحسن أوضاعك، سأعلقها هنا في حجرتك لتوهم البسطاء ممن لا يعرفونك بأنك كنت فتى متعدد النشاط.
ثم صاحت فجأة، وقد أمسكت بصورة: يا حفيظ! ما لكم واقفين هكذا، وكأنكم قد قتلتم قتيلا؟ سبعة شبان يحملقون في المصور بصرامة.
وأمسكت بالصورة ... الصورة التي كانت تحتل إطارا جميلا في حجرة مكتبي من عشرة أعوام وتأملتها ... ثم قلت لزوجتي: قال لنا المصور انظروا إلى العدسة فنظرنا جميعا، وجمعنا رجولتنا في نظرة صارمة ... آه لو عرفت كم ضحكنا بعد أن التقطت الصورة. - على أية حال لن أعلقها، هذه الصورة مكانها هنا كما كانت ... في الصندوق.
وخرجت زوجتي، وقد حملت معها الصور الثلاث، وامتدت يدي إلى الصندوق، فأخرجت الصورة من جديد ... الصورة التي كانت تحتل إطارا جميلا ذات يوم ... صورة «الشلة» التي جمعها الزمان منذ عشرين عاما ... ثم ...
لقد أحسنت زوجتي صنعا ... هذه صورة مكانها قبو الذكريات، لو أن زوجتي علقتها اليوم في حجرة مكتبي لما وجدت جوابا لمن يسألني، وهو يتأمل الصورة، وأين هؤلاء الأصدقاء؟ وأين ذهبت هذه الصداقة؟
أين ذهبت؟ إي وربي، أين ذهبت هذه الصداقة؟ هل أستطيع أن أجيب؟ هل أروي قصة لا تشرف أحدا من السبعة الواقفين في الصورة وكأنهم، كما تقول زوجتي، قد قتلوا قتيلا؟
إننا لم نكن بعد قد قتلنا قتيلا حين التقطت هذه الصورة لكننا قتلناه بعد ذلك ... قتيلا غاليا عشنا في ظله عشرين عاما، وإني لأذكره الآن.
Página desconocida