ويبدو أن لهجتي في عتابه لم تكن جادة، فقد قال وهو يضحك: لقد قال لي ذلك الشاويش عبد ربه، ولم يكن يستطيع أن يكذب. - ماذا تعني؟ تعال معي!
وكان الوقت مبكرا؛ إذ إنني أصل - مرغما - قبل موعد العمل يوميا بحكم سكناي في القاهرة، ومجيئي بأول قطار ...
ووقف سيد يقص علي ما حصل قائلا: لقد جئت إلى هنا، ومعي حافظة بها ثلاثة جنيهات سلمتها للشاويش عبد ربه، ومعها ساعتي وخاتمي ... وعندما أفرجت عني حضرتك أمس ظننت أني سأخرج لحال سبيلي، فطلبت حافظتي وساعتي من الشاويش عبد ربه، فإذا به يدفعني أمامه نحو باب السجن، وهو يصيح بي وسط الجنود: «إنت أصلك مشاغب ومجرم.»
وحاولت أن أفهمه أني لست مجرما، وأن النيابة قد أفرجت عني لهذا السبب فإذا به يتهمني بالإجرام، ثم يصفعني على وجهي بيده الغليظة أمام الجنود، ودخلت حجرة السجن، وأنا أكاد أجن من الغيظ، وهو يصيح بي: «اتفضل! اتفضل هنا لغاية ما تعقل» وقضيت الليلة - ولم يكن هناك غيري في السجن - حتى قبيل الفجر - فناديت على الشاويش عبد ربه، فجاءني أحد الجنود يسألني ماذا أريد فقلت له إني أريد الشاويش عبد ربه شخصيا، وجاءني الشاويش عبد ربه شخصيا، وهو يفرك عينيه قائلا: «عقلت يا مجرم يا ابن المجرمين؟»
وتجاهلت السباب، وملت على الشاويش عبد ربه متظاهرا بأني أحدثه حديثا خاصا وفي صوت خافت، وصرف عبد ربه الجندي المرافق له، واقترب مني وجذبته إلى داخل السجن، وأغلقت الباب ولكمته في بطنه حتى عوى كالكلب، وأفرغت في بدنه غيظ ليلة كاملة من الصفعات واللكمات، وكأنما كان يخشى على سمعته فما ارتفع صوته إلا عن أنات مكتومة من الألم، كل هذا وأنا أطالبه برد الساعة والثلاثة جنيهات، حتى أقر لي بأنه سيعطيني الساعة وجنيها ونصف جنيه فقط؛ لأنه اشترى بنصف المبلغ دجاجا لمعاون البوليس.
وسكت سيد، وظللت برهة صامتا، وقد غلبتني الدهشة، ثم قلت: لكن ... ألم تكن تخشى يا سيد أن ينادي الجنود فيتغلبوا عليك، ثم يوجهوا إليك تهمة جديدة؟
وأجاب سيد دون تردد: لقد قلت لعبد ربه، وأنا أكيل له الضربات إنه إن صاح أو اشتكى، فسأقتله قريبا كما قتلت شيخ الخفراء وخرجت بريئا، ولقد صدق الغبي التهمة. - إنك جريء يا سيد ... كان من الممكن أن يعيدك الشاويش عبد ربه إلى السجن، وينتقم منك شر انتقام.
فرد في اعتداد: مستحيل يا بيه ... إنه أجبن نوع ... هذا النوع الذي يصيح، ويقتل شواربه، ويعتز ببطنه الضخم ووظيفته الحكومية ... لقد فعل كما أمرته بالضبط ... أعد لي ماء فتوضأت وصليت، وهو واقف كالكلب، ثم ودعني حتى الباب بعد أن أعطاني ساعتي والجنيه والنصف، ولقد ذهبت فأفطرت في مطعم الفول على رأس الشارع، وجئت لأنتظر معاون البوليس.
وقلت لسيد، وهو يهم بالانصراف: أليس الأوفق يا سيد أن تنصرف، وتنجو بجلدك، وتنزل عن الجنيه والنصف الباقيين لك؟
وراعني جوابه بنفس لهجته الجادة: ولماذا يا بيه؟ أينا الذي يتصدق على الآخر، أنا أم معاون البوليس؟ - ربما كان عبد ربه كاذبا يا سيد ... - قلت لك يا بيه إنه كان في حالة لا يستطيع معها أن يكذب.
Página desconocida