بعد خمس سنوات تتحرك آلة العرض فجأة أيضا، فيتحرك كل شيء ويمر على شاشة الحياة آخر موقف من مواقف القصة ... موقف الوداع ... يودع البطل البطلة إلى الأبد ...
المنظر، ميناء فينسيا والباخرة قد رست لتلتقط بعض الركاب العائدين إلى مصر بعد رحلة الصيف في أوروبا.
كان هو أحد هؤلاء العائدين، وضع أمتعته في مقصورته بالباخرة، وخرج إلى إحدى الصالونات، وجلس وحيدا يقلب في نهم صحيفة مصرية أعطاه إياها أحد الركاب من المصريين، وأعلن أحد ضباط السفينة أنها ستغادر الميناء في الساعة العاشرة مساء ... وكانت هناك ساعتان باقيتان، وكان الكثيرون من الركاب قد تفرقوا بين قاعة الطعام، وصالونات الباخرة ... وقريبا من البار جلست جماعة من المصريين تقطع الوقت في الحديث على رنين الكئوس، ورفع رأسه على ضحكة عالية ... ضحكة لم ينسها ولن ينساها ... ووجد ماجدة تتوسط تلك الجماعة، وإلى جانبها صديقها المليونير الكهل آخر من ربطتها به الشائعات منذ عام، ورأته ماجدة، وهزت رأسها تلك المرة في تحية باسمة ... رد عليها سريعا، وعاد ببصره إلى صفحات الجريدة، ومر نصف ساعة بذل خلاله كل جهده لكيلا يرفع بصره عن الصحيفة ... كان كل ما يشغل فكره ليست أنباء الصحيفة، وإنما قصة ماجدة معه، وكل ما سمعه عنها منذ افترقا إلى الآن.
وأرغمته حركة المقاعد أن ينظر من جديد إلى مائدة ماجدة، فوجد الجمع قد نهض ليحيي صديقها المليونير الذي سمع صوته يقول ماجدة: «إنني متعب، وسأذهب إلى مقصورتي، قومي حتى تسأمين حديث هؤلاء السادة.» وتلتقي عيناه مرة ثانية بعيني ماجدة، ويلمح في عينيها ظل ابتسامة ... وتمر بضع دقائق فيهب من مكانه ويتجه إلى سطح السفينة، ويقف مطلا على الميناء، وقد انعكست عليه الأنوار، وتمر بضع دقائق أخرى، فيحس إلى جانبه شيئا يتحرك، فيلتفت فيرى ماجدة وحدها، وقد وقفت إلى جانبه تتأمل الميناء، ويشق سكوتهما صوت ماجدة: أما زلت حاقدا علي؟
ويصدمه السؤال فيرتبك ... يرتبك حتى يتعثر الاضطراب على شفتيه: أنا ... أنا أحقد عليك!
وتسارع قائلة: لا ... لا ... أعرف أنك غاضب مني، ولك العذر، لكن كان لا بد أن أتركك هكذا معلقا ... ماذا كنت تنتظر أن أفعل؟
وكان على وشك أن يجيبها: أن تلقي السطر الأخير في القصة.
لكنها لم تتح له الفرصة إذ استطردت: كان زواجنا أمرا مضحكا، كانت فترة ركود في حياتي حين عرفتك، ثم إني كنت أعجب بك.
وقال: كما كنت تعجبين بالشاعر «ع» والموسيقار «م»؟ - تماما، حتى حين حدثتني عن الزواج ... فقبلت ...
وكنت جادة حين قبلت، كنت أظن أنها فكرة رائعة، أن تتزوج مثلي وتستقر، حتى تبينت خطئي، تبينت أن المغامرة سوف تكون فاشلة بالنسبة لي على الأقل ...
Página desconocida