كانت فلورا لا تزال تقرأ لإيلي، لكنها كانت تقرأ مقتطفات قصيرة من الكتاب المقدس. عندما كانت تفرغ من قراءتها وتنتصب واقفة، كانت إيلي تحاول التعلق بها. كانت إيلي تنتحب، وفي بعض الأحيان كانت تشكو شكاوى مضحكة؛ كانت تقول: إن ثمة بقرة عائدة إلى المنزل، تحاول دخول الغرفة وقتلها.
كانت الممرضة أتكينسون تقول: «عادة تراودهم بعض الأفكار كتلك. لا يجب أن تستجيبي لها وإلا لن تدعك تذهبين ليلا أو نهارا. هكذا هم، لا يفكرون إلا في أنفسهم. الآن، عندما أكون وحدي معها، تسيطر على نفسها جيدا، لا أجد أي مشكلات على الإطلاق، لكن عندما تكونين هنا، أجدني أواجه متاعب مرة أخرى؛ لأنها تراك وتنزعج. هل ترغبين في أن تجعلي عملي أكثر صعوبة؟ أعني أنك أحضرتني هنا لأرعاها، أليس كذلك؟»
كانت فلورا تقول: «إيلي، الآن عزيزتي إيلي يجب أن أذهب.» وكانت تقول للممرضة: «أتفهم الأمر. أتفهم أنك يجب أن تكوني مسئولة عن الأمور هنا، وأنا معجبة بك للعمل الرائع الذي تقومين به. يجب أن تتحلي في عملك بكثير من الصبر والعطف.»
كانت أمي تتعجب لذلك؛ هل كانت فلورا لا ترى الأمور على حقيقتها حقا، أو تراها كانت تأمل من خلال هذا الثناء غير المستحق أن تحث الممرضة أتكينسون على أن تتحلى بالصبر والعطف اللذين لا تتحلى بهما؟ كانت الممرضة أتكينسون فظة المشاعر، ولا ترى في نفسها أية نقيصة، مما يصعب معه أن تقع في شرك محاولة كتلك.
كانت أمي تقول: «هذا عمل صعب، لا شك في ذلك، ولا يستطيع كثيرون القيام به. إنها ليست كتلك الممرضات في المستشفى اللائي يتوفر لهن كل شيء يحتاجونه دون مشقة.» لم يكن لديها وقت كثير للمناقشة - كانت تحاول الاستماع إلى برنامج «ميك بيليف بولروم» في الراديو الخاص بها الذي يعمل بالبطاريات.
كانت أمي مشغولة باختبارات نهاية العام وتمارين شهر يونيو في المدرسة. كانت تستعد لزفافها في شهر يوليو. جاء الأصدقاء في سيارات واصطحبوها إلى الخياطة، وإلى الحفلات، ولتختار شكل بطاقات الدعوة التي ترغب فيها ولشراء تورتة الزفاف. ظهرت زهور الليلك، وطالت الليالي، وعادت الطيور وعششت، وكانت أمي تتألق أكثر فأكثر في أعين الآخرين، وهي على وشك الانطلاق إلى مغامرة الزواج الجليلة الرائعة. كان فستانها سيزين بزهور من الحرير، وكان وشاح وجهها سيزين بطوق من اللؤلؤ المنمق. كانت أمي تنتمي إلى الجيل الأول من الشابات اللائي كن يدخرن أموالهن لحفلات زفافهن - حفلات أكثر أبهة مما كان آباؤهن يستطيعون تحمل تكلفتها.
في أمسيتها الأخيرة، جاءت الصديقة من مكتب البريد لاصطحابها، ومعها ملابسها وكتبها والأشياء التي صنعتها لتجهيزات عرسها، و«الهدايا» التي أعطاها تلاميذها وآخرون إياها. ثار هرج ومرج وضحك كثير حول وضع كل هذه الأشياء في السيارة. خرجت فلورا من المنزل وساعدت أمي في وضع أشيائها. قالت فلورا ضاحكة: هذه المرأة التي في طريقها إلى الزواج مزعجة أكثر مما كنت أظن. أهدت فلورا أمي مفرشا للتسريحة، كانت قد غزلته سرا. كان لا يمكن منع الممرضة أتكينسون من المشاركة في مناسبة مهمة؛ قدمت زجاجة عطر كهدية. وقفت فلورا على المنحدر إلى جانب المنزل وهي تلوح مودعة أمي. كانت قد جرت دعوتها إلى الزفاف، لكنها بالطبع قالت إنها لن تستطيع المجيء، لا تستطيع «الخروج» في مثل ذلك الوقت. كانت المرة الأخيرة على الإطلاق التي رأت أمي فيها فلورا هي هذه المرة التي كانت فلورا تقف فيها وحيدة، تلوح في حماس مرتدية ميدعة التنظيف وعصابة الرأس، على المنحدر الأخضر إلى جانب المنزل أسود الجدران، في ضوء المساء.
قالت الصديقة من مكتب البريد: «حسنا، ربما ستحظى الآن بما لم تكن لتحظى به في المرة الأولى؛ ربما سيتمكنان الآن من الزواج. هل هي كبيرة سنا على أن تكون عائلة؟ كم عمرها على أي حال؟»
كانت أمي تعتقد أن هذه طريقة فظة للغاية للحديث عن فلورا، وأجابت أنها لا تعرف. في المقابل، كانت تقر في قرارة نفسها أنها كانت تفكر في الشيء ذاته. •••
عندما تزوجت واستقرت في بيتها، على مسافة ثلاثمائة ميل، تلقت أمي خطابا من فلورا. ماتت إيلي، ماتت متمسكة بمذهبها، مثلما قالت فلورا، راضية بوفاتها. ظلت الممرضة أتكينسون مقيمة في المنزل لفترة، حتى حان موعد مغادرتها لمتابعة حالتها التالية. كان ذلك في أواخر الصيف.
Página desconocida