كان لون بشرته زيتونيا فاتحا، وشعره أشقر داكنا، وعيناه زرقاوين زرقة خفيفة وبراقتين. كانت عيناه جاحظتين قليلا، ولا يكاد جفناه يرتفعان تماما عن آخرهما. كانت أسنانه كبيرة وصفراء، مثل أصابعه، جراء النيكوتين. كان يدخن طوال الوقت. كان يدخن بينما كان يدقق بحيرة في الملابس الموجودة في متجر زيجلرز. كانت جميعها قصيرة جدا عند الأقدام بالنسبة له.
قال إنه وزوجته، التي كانت إنجليزية، كانا قد اشتريا مزرعة على حافة المدينة. أراد موراي أن يتحدث إليه في غياب الموظفات اللاتي كن يحمن حوله في اندهاش؛ لذا اصطحبه إلى الشارع، للمرة الأولى، وذهبا إلى بريتش إكستشينج. كان يعرف المزرعة التي كان فيكتور يتحدث عنها ، ولم يكن يفكر بها كثيرا، لكن قال فيكتور إنهما لا ينويان زراعتها، سيربيان الجياد ويقيمان مدرسة للتدريب على ركوب الخيل. سأل فيكتور موراي عن رأيه عما إذا كان ذلك سينجح أم لا. هل هناك فتيات ثريات صغيرات في المنطقة؟ «أعتقد إذا كان لديك مدرسة للتدريب على ركوب الخيل، فلا بد أن تكون هناك فتيات ثريات صغيرات. لا يركب سواهن الخيل.»
قال موراي: «تستطيع الإعلان عن ذلك في صحف المدينة، ويمكن أن يأتين في الصيف.» «بالطبع، يأتين إلى المعسكر، إلى معسكر الخيول، هنا وفي الولايات المتحدة، يذهبن دوما في الصيف إلى المعسكر، أليس كذلك؟»
بدا فيكتور مسرورا بهذه الفكرة. كل شيء كان عبثيا بالنسبة إليه، وكل شيء مقبول. فصول الشتاء - هل صحيح أن هناك ثلوجا تتساقط من أكتوبر إلى مايو؟ هل تبلغ الثلوج عتبات النوافذ؟ هل يمكن أن يشرب أحد ماء الأبار دون غليه، أم هل هناك خطر الإصابة بحمى التيفود؟ ما نوع الأشجار، عند قطعها، التي ستوفر أفضل حرارة في الموقد؟
لم يستطع موراي التذكر بعد ذلك أي أسئلة طرحت في اليوم الأول، أو إذا كان ثمة فاصل على الإطلاق بين الأسئلة العملية والأسئلة الأكثر عمومية أو الشخصية. لم يكن يظن أن هناك أي فواصل، كل الأسئلة مختلطة. عندما كان يشعر فيكتور بالحيرة من أي شيء، كان يسأل. متى أقيمت هذه البنايات؟ ما مذهب الناس الأساسي وهل هم متمسكون به؟ من هذا الرجل الذي تبدو عليه أمارات الأهمية، تلك المرأة التي تبدو حزينة؟ في أي نشاط يعمل الناس؟ هل هناك متمردون ملحدون، أشخاص أثرياء جدا شيوعيون؟ ما نوع الجرائم التي ترتكب، متى كانت آخر مرة ارتكبت فيها جريمة قتل، هل يشيع الزنا؟ هل يلعب موراي الجولف، أو يمتلك قاربا ترفيهيا أو يدعوه موظفوه: سيدي؟ (ليس كثيرا، ولا، ولا.) ظلت عينا فيكتور الزرقاوان تشعان سرورا، مهما كان السؤال، ومهما كانت الإجابة. كان يمدد رجليه الطويلتين، ويعقد يديه خلف رأسه. كان يستمتع بكل شيء يسمعه. سرعان ما أخبره موراي كيف كان جده يقذف العملات المعدنية في الشارع، وعن بذل أبيه الداكنة وستراته المبطنة بالحرير، وعن رغبته هو شخصيا في أن يصير قسا. «لكنك لم تصبح كذلك؟» «لقد كفرت.» كان موراي يشعر دوما بأن عليه أن يبتسم عندما يقول هذا. «هذا يعني ...» «أعرف ما الذي يعنيه هذا.»
عندما جاء للبحث عن موراي في المتجر، لم يكن فيكتور يسأل أيا من الموظفين إذا كان يستطيع مقابلة موراي أم لا، بل كان يذهب مباشرة إلى المكتب، عبر السلم إلى القفص الصغير. تحيط بالمكتب جدران من الحديد المطاوع، في مثل طول موراي - حوالي خمسة أقدام وتسع بوصات. كان فيكتور يحاول التسلل خلسة إلى مكتب موراي، لكن كان وجوده بالطبع يثير البلبلة في المتجر، مثيرا موجات متوالية من الانتباه والهواجس والإثارة. كان موراي يعرف في الغالب عندما كان يجيء فيكتور، لكنه كان يتظاهر بأنه لا يعرف. ثم يضع فيكتور - كنوع من المفاجأة - رأسه اللامعة أعلى الجدار، ورقبته بين اثنين من الأسياخ المدببة المزينة. كان يبتسم لهذا التصرف الأحمق.
وجد موراي في ذلك تملقا غير صريح.
بالطبع، كانت هناك قصة كبيرة وراء فيكتور. كان أكبر من موراي بعشر سنوات؛ كان في التاسعة عشرة عندما اندلعت الحرب. كان طالبا آنذاك، في وارسو. كان يتلقى دروسا في الطيران، لكن لم يكن قد حصل على إجازة طيران بعد. مع ذلك، كان يذهب إلى مدرج الطائرات حيث كانت تقبع طائرات القوات الجوية البولندية. وصبيحة الغزو الألماني لبولندا كان موجودا هناك هو وبعض أصدقائه بغرض المرح، وكنوع من المرح أيضا أخذوا بعض الطائرات وطاروا بها إلى السويد. بعد ذلك، ذهب إلى إنجلترا وانضم إلى القوات الجوية البولندية، التي كانت جزءا من سلاح الجو الملكي البريطاني. شارك في غارات كثيرة، وأسقطت طائرته فوق فرنسا. استطاع الهبوط بالمظلة؛ اختبأ في الغابات، وكان يأكل بطاطس نيئة من الحقول، وساعدته حركات المقاومة الشعبية الفرنسية، ثم شق طريقه إلى الحدود الإسبانية. عاد إلى إنجلترا. أصيب بخيبة أمل كبيرة عندما عرف أنه غير مسموح له بالطيران مجددا. كان يعرف أشياء كثيرة أكثر مما ينبغي. إذا حدث وجرى إسقاط طائرته مجددا واعتقاله واستجوابه، كان يعرف أشياء أكثر مما ينبغي. كان يشعر بخيبة أمل بالغة، واضطراب شديد، وتسبب في إثارة جلبة حوله، حتى أعطي مهمة أخرى؛ إذ جرى إرساله إلى تركيا، في مهمة سرية بصورة أو بأخرى، ليكون جزءا من شبكة كانت تساعد بولنديين وآخرين، كانوا يحاولون الهروب عبر جبال البلقان.
كان ذلك ما كان يفعله بينما كان موراي وأصدقاؤه يبنون نماذج طائرات وينشئون شيئا شبيها بمقصورة القيادة في الطائرة في سقيفة الدراجات في المدرسة، بحيث يمثلون كما لو كانوا يقصفون ألمانيا.
قالت باربرا: «هل تصدق كل هذه الأشياء، حقا؟»
Página desconocida