عندما تكون هناك مع كورنيليس ولم تر نيل لفترة، تشعر بعدم راحة ووحدة، كما لو كان هذا عالم يدير ظهره لها، لكن بعد لقائها بنيل، تنظر إليه كمملكتها؛ وكل ما فيه ملكها. في الليلة السابقة على الليلة التي يلتقيان فيها - الليلة الماضية، على سبيل المثال - كان يجب أن تشعر بالسعادة والتلهف، لكن في حقيقة الأمر تبدو الأربع والعشرون ساعة الماضية، بل اليومان أو الثلاثة الأخيرة، مليئة أكثر مما ينبغي بالمتاعب، بحيث لم يكن بوسعها أن تشعر إلا بالحذر والقلق. عد تنازلي؛ فهي تعد الساعات حقيقة. لديها ميل إلى ملء الساعات المتبقية بأعمال طيبة؛ أعمال تنظيف في المنزل كانت تؤجلها، جز الحشائش، إجراء عملية إعادة ترتيب لمخزن الأثاث، بل انتزاع الحشائش الضارة من الحديقة الصخرية. صباح يوم اللقاء نفسه تمر الساعات أبطأ ما يكون وتمتلئ بالمخاطر. توجد لديها قصة دوما تختلقها حول المكان الذي من المفترض أن تذهب إليه فيما بعد الظهيرة، غير أن ما ستفعله لا يمكن أن يكون ضروريا جدا - حيث سيجذب هذا الانتباه أكثر من اللازم إلى الأمر - لذا ثمة احتمال، دوما، أن يحدث شيء يجعل كورنيليس يقول: «هلا تؤجلين ذلك إلى وقت لاحق خلال الأسبوع؟ هلا تفعلين ذلك في يوم آخر؟» ليس عدم قدرتها على لقاء نيل في هذه الحالة هو ما يزعجها؛ حيث سينتظر نيل ساعة أو ما إلى ذلك، ثم سيعرف ما حدث، بل هو أنها تعتقد أنها لم تعد تستطيع تحمل الأمر؛ أن تكون على هذا القدر من القرب منه، ثم لا تستطيع أن تقابله. غير أنها لا تشعر بأي اشتياق جسدي خلال ساعات العذاب الأخيرة تلك، حتى استعداداتها السرية - اغتسالها، إزالة الشعر الزائد من جسدها، دهان جسدها بالزيت، والتعطر - لم يكن يثيرها. تظل جامدة، تؤرقها التفاصيل، الأكاذيب، الترتيبات، حتى اللحظة التي ترى فيها سيارة نيل. كان يتبع الخوف من أنها لن تستطيع ترك زوجها للقاء نيل، خلال فترة القيادة التي تستمر خمس عشرة دقيقة؛ الخوف من عدم مجيئه إلى هذه البقعة الخالية المتطرفة، عند المستنقع التي هي مكان لقائهما. لعل ما كانت تتطلع إليه، خلال تلك الساعات الأخيرة، شيء غير مادي، شيء إذا فقدته فلن يصبح مثل فقدان وجبة يتوق المرء إليها في جوعه بل مناسبة تعتمد عليها حياتك أو خلاصك. •••
بحلول الوقت الذي صار نيل فيه مراهقا أكبر سنا - وإن لم يكن كبيرا بحيث يمكن أن يذهب إلى الحانات، بل كان ما زال يتردد على متجر حلوى فايف بوينتس (احتفظت العائلة الكرواتية بالاسم الأصلي) - كان التغيير قد بدأ، وهو ما يتذكره كل من كان حيا آنذاك. (هذا ما يعتقد نيل، لكن بريندا تقول: «لا أعرف، بالنسبة إلي كان كل ذلك مجرد تغيير في المكان.») أسقط في يد الجميع، لم يكن أحد مستعدا. كانت بعض المدارس تتشدد حيال إطالة الشعر «للصبية»، وظن البعض بإمكانية التغاضي عن ذلك والتركيز على الأمور المهمة. كان كل ما يطلبونه هو ربط الشعر برباط مرن. وماذا عن الملابس، السلاسل، القطع المصنوعة من حبات الخرز، والصنادل المصنوعة من الحبال، والملابس المصنوعة من القطن الهندي، والتطريزات الأفريقية؟ كل شيء صار هكذا فجأة ناعما وفضفاضا ولامعا. في فيكتوريا، ربما لم يجر احتواء التغيير بالقدر الكافي مثلما جرى في أماكن أخرى. تسرب التغيير. ربما جعل المناخ الناس أكثر لينا، لا الشباب فقط. كان ثمة انتشار هائل للزهور الورقية وتدخين الماريجوانا والموسيقى (الأشياء التي كانت تبدو غير مألوفة على الإطلاق آنذاك، مثلما يقول نيل، وتبدو الآن عادية جدا)، والموسيقى الخارجة من نوافذ مباني وسط المدينة التي كانت تتعانق مع أعلام مرخية، فوق أحواض الزهور في متنزه بيكون هيل بارك، وصولا إلى الأجمات الصفراء على المنحدرات الصخرية المطلة على البحر، إلى الشواطئ السعيدة المطلة على القمم السحرية لجبال الأولمب. كان الجميع مشاركا في الحدث. •••
كان أساتذة الجامعات يتجولون في الأرجاء واضعين زهورا خلف آذانهم، وكانت الأمهات تسير تفعل الشيء نفسه. كان نيل وأصدقاؤه يزدرون هؤلاء الناس فطريا؛ هؤلاء العجائز الهيبيز الحذرين. دخل نيل وأصدقاؤه عالم المخدرات والموسيقى بشكل جدي.
عندما كانوا يريدون أن يتعاطوا المخدرات، كانوا يذهبون إلى خارج متجر الحلوى. في بعض الأحيان، كانوا يذهبون إلى أماكن بعيدة مثل المقابر ويجلسون فوق الحاجز البحري. في بعض الأحيان كانوا يجلسون بجانب السقيفة خلف المتجر. لم يكن بإمكانهم الدخول؛ فقد كانت السقيفة مغلقة. ثم كانوا يدخلون متجر الحلوى ويشربون المياه الغازية ويأكلون سندويتشات الهمبورجر والهمبورجر بالجبن والكعك والحلوى المحلاة بالقرفة؛ لأنهم كانوا يتضورون جوعا. كانوا يسندون ظهورهم إلى مقاعدهم ويتأملون الزخارف تتحرك في السقف القديم المصنوع من الصفيح المضغوط، الذي قام الكرواتيون بطلائه باللون الأبيض. كانوا يتخيلون الزهور، والأبراج، والطيور، والوحوش، وكأنها تسبح عاليا فوق رءوسهم.
تقول بريندا سائلة: «ماذا كنتم تتعاطون؟» «صنف رائع جدا، إلا إذا كان ما اشتريناه فاسدا؛ حشيشا، ومواد مهلوسة، وميسكالين في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان مزيجا من هذا وذاك. أشياء غير ضارة على الإطلاق.» «أقصى ما فعلته هو أنني دخنت ثلث سيجارة على الشاطئ، حينما لم أكن متأكدة ماذا كان ذلك، وعندما عدت إلى المنزل صفعني أبي على وجهي.» (ليست هذه هي الحقيقة؛ كان ذلك كورنيليس، صفعها كورنيليس على وجهها. كان ذلك قبل أن يتزوجا، عندما كان كورنيليس يعمل في الدوام الليلي في المنجم، وكانت هي تجلس في منطقة الشاطئ بعد حلول الظلام مع بعض الأصدقاء من نفس عمرها. في اليوم التالي أخبرته، فصفعها على وجهها.)
كان كل ما فعلوه في متجر الحلوى هو الأكل، وعمل أفعال لا معنى لها، والجلوس في انتشاء، وممارسة ألعاب غبية، مثل عمل سباقات بينهم للسيارات اللعبة على الموائد. في إحدى المرات، رقد أحدهم على الأرض وقاموا برش الكاتشب عليه. لم يعبأ أحد؛ لم يكن زبائن النهار - ربات البيوت اللائي كن يشترين المخبوزات، وأرباب المعاشات الذين كانوا يقضون أوقات فراغهم يحتسون القهوة - يأتون ليلا قط. كانت الأم وليزا قد عادتا إلى المنزل الذي كانت العائلة تعيش فيه في المقطورة، ثم بدأ الأب في العودة إلى المنزل، بعد فترة قصيرة من وقت العشاء. كانت ماريا هي من تبقى بالمتجر. لم تكن تعبأ بما كانوا يفعلونه، طالما لم يسببوا أي خسائر، وطالما كانوا يدفعون.
كان هذا هو عالم المخدرات الذي كان الصبية الأكبر سنا ينتمون إليه، العالم الذي أبقوا الصبية الأصغر خارجه. مر وقت قصير قبل أن يلاحظوا أن الصبية الأصغر كانوا يخفون شيئا أيضا؛ كان لديهم عالمهم السري الخاص بهم. كانوا يزدادون وقاحة وإحساسا بذواتهم. كان بعضهم يضايقون بشدة الصبية الأكبر سنا حتى يشتروا لهم مخدرات. هكذا صار جليا كيف كانت تتوفر لديهم بعض الأموال التي مصدرها غير معروف.
لدى نيل الآن أخ أصغر منه يسمى جوناثان. شخص مستقيم جدا الآن، متزوج ويعمل مدرسا. بدأ جوناثان بالتلميح، وهو ما كان يفعله صبية آخرون، لم يستطيعوا الاحتفاظ بالسر لأنفسهم، وسرعان ما ذاع الأمر. كانوا يحصلون على أموالهم من ماريا. كانت ماريا تدفع لهم ليضاجعوها. كانوا يضاجعونها في السقيفة الخلفية بعد أن تغلق المتجر ليلا؛ حيث كان لديها مفتاح السقيفة.
كانت تتحكم أيضا في الدخل اليومي للمتجر. كانت تقوم بإفراغ درج ماكينة الدفع النقدي ليلا، وكانت تمسك الدفاتر. كان والداها يثقان فيها. لم لا؟ كانت حاذقة في الحساب، وكانت تكرس حياتها لإدارة أعمال المتجر. كانت تفهم عمليات إدارة المتجر بالكامل أفضل من والديها. كان يبدو أنهما يشعران بالطمأنينة إزاء الأمور المالية، ولم يكونا يريدان أن يضعا أموالهما في البنك. كانا يضعان الأموال في خزانة أو ربما في صندوق محكم الغلق في مكان ما، وكانا يأخذان منه قدر حاجتهما. لا بد أنهما شعرا أنهما لا يستطيعان الثقة بأحد، أو بالبنوك أو أي شخص، خارج دائرة العائلة. كم كانت ماريا عطية من الرب إليهما! فهي متزنة وذكية، ليست جميلة جدا ما يغريها بأن تضع آمالها أو طاقتها في أي شيء آخر بخلاف إدارة أعمال المتجر. كانت ماريا بمثابة الوتد في العائلة.
كانت أطول بمقدار رأس، وأثقل وزنا بمقدار ثلاثين أو أربعين رطلا من هؤلاء الصبية الذين كانت تدفع لهم. •••
Página desconocida