Saad Zaghlul, Líder de la Revolución

Abbas Mahmud al-Aqqad d. 1383 AH
85

Saad Zaghlul, Líder de la Revolución

سعد زغلول زعيم الثورة

Géneros

وسعد زغلول قد بث في مصر هذا الروح، أو هو قد أيقظه، أو هو قد جمعه حواليه؛ فكل ما نهضت به الأمة من اشتغال بالصناعات، أو مصارف الأموال، أو شركات التجارة، أو معاهد التعليم، أو مجامع السياسة مما لم يكن فيها قبل تلك النهضة، ففيه سهم لا ينكر لزعامة سعد زغلول.

هذه الزعامة هي التي التقى حولها المصريون فعلموا أنهم أمة، وعلموا أنهم مسلمون ومسيحيون ولكنهم أمة، وأنهم رجال ونساء ولكنهم أمة، وأنهم شيب وشبان ولكنهم أمة، وأنهم حضريون وريفيون ولكنهم أمة؛ فانبعثت للأمة حياة ماثلة إلى جانب حياة كل فرد وكل طبقة وكل طائفة وكل جنس وكل دين، ورأينا الأيام التي نسي فيها اللص أنه سارق ولم يذكر إلا أنه مصري من المصريين، ونسيت فيها البائسة الموصومة أنها متاع مهين ولم تذكر إلا أنها مصرية تطالب بقضية، وفهم حتى هؤلاء أن هنالك معنى من معاني الرفعة الإنسانية يسمى الشرف ويسمى الحياء، بل رأينا السنين التي لبث فيها المئات والألوف يسامون الخسار، فيقبلون الخسار ولا يقبلون المراء في العقيدة، ويخيرون بين منفعة النفس ومنفعة الأمة التي يدينون بها، فيختارون منفعة الأمة ولا يحفلون بمنفعة النفس ولا بمنافع الآل والبنين . وتلك غنيمة قومية لا تدخل في حساب الأرقام، ولكن الأمة التي تهملها وتبخس قدرها لا تدخل هي نفسها في حساب.

وسرى قبس من روح الوحدة المصرية إلى كل أمة في الشرق تعلم أن شأنها في طلب الحرية كشأن المصريين، وأن حاجتها إلى الوحدة الوطنية كحاجة المصريين؛ فظهر الوفاق بين الطوائف في بلدان، لم تعرف قط وفاقا ولا رغبة في وفاق، وأصبح سعد زغلول علما للنهضة الشرقية بأسرها لا للنهضة المصرية وحدها، ورمزا لدعوة الوحدة في كل بلد ممزق بين العصبيات الداخلية والمطامع الأجنبية.

روى موظف مصري أنه لقي المهاتما غاندي في لندن حين زارها لحضور المؤتمر الهندي فيها، فجرى الحديث بينهما عن القضية المصرية، واستطرد إلى ذكر سعد فقال المهاتما: «إنني تتبعت سيرة هذا الرجل القدير من سنة 1919 إلى الآن، ولا يزال له في نفسي أثر عظيم، وأنا أعده قدوة وأراه بمثابة أستاذ.»

قال الموظف المصري: «ذلك تواضع منك، ولا ريب أن الأمة المصرية أربعة عشر مليونا، وأنت قد شملت حركتك ثلاثمائة وخمسين مليونا من الناس.»

قال المهاتما: «على هذا التقدير يكون سعد هو صاحب الفضل في السبق والابتداء. ثق أن الحركة الهندية سارت على أعقاب الحركة المصرية، إني اقتديت بسعد في إعداد طبقة بعد طبقة من العاملين في القضية الهندية، فلا تعتقل طبقة منهم إلا لحق بها خلفاؤها على الأثر، وعن سعد أخذت توحيد العنصرين، ولكني لم أنجح بعد كما نجح فيه ... إن سعدا ليس لكم وحدكم ولكنه لنا أجمعين.»

وأيا كان نصيب هذه الرواية من الصحة، فالحقيقة التي لا تحتاج إلى إثبات ولا استشهاد هي أن الوحدة المصرية سابقة لكل وحدة في دعوات الشرق الوطنية، وأن الوحدة المصرية مدينة لسعد بمزاياه التي توافرت له أو توافرت حوله فجعلته - دون غيره - أصلح الزعماء للزعامة على جميع المصريين.

لقد كانت الزعامة بداهة فيه تقابلها التلبية البديهة من الجماهير. كان يدبر ويقدر ويأخذ الأمور بالروية والنظر البعيد، ولكنه لا يعول على التقدير والتدبير بعض تعويله على البداهة التي ترتجلها الشعوب في غير تكلف ولا استعصاء، وعنده أن العناية الإلهية تعمل في هذه البداهات المرتجلة ما ليس يخطر على بال؛ ومن ثم كانت كلمته التي يرددها كلما اتجهت الحوادث إلى غير اتجاهها المنظور، أو انفرجت الأزمات من غير مظنة الفرج المقدور: «إنها العناية، إنها العناية!» ويرفع بصره إلى السماء ولا يزيد.

أذكر في الأيام التي أعقبت عودته من المفاوضات مع مستر مكدونالد أننا زرناه وعنده الأستاذ حامد جودة المحامي يقترح عليه بعض الآراء.

فقال سعد بدعابته المعهودة: «يا حامد، أنا ختمت العلم! فهاتوا العمل الناجع، فلا حاجة بي إلى اقتراح.»

Página desconocida