Saad Zaghlul, Líder de la Revolución
سعد زغلول زعيم الثورة
Géneros
وبدهي أن هذا الخطاب لم يعلن للأمة ولا لأحد غير الأعضاء الذين خوطبوا به وأصدقائهم المقربين. ولكن الرئيس مهد لتقديم المذكرة إلى الأمة ببيان منه وصف به المشروع الوصف الذي ينبغي في هذا المقام؛ فقال فيه: ... وانتهت المناقشة بوضع ثلاثة مشروعات: أولها من لجنة ملنر رفضناه بتاتا، والثاني منا ورفضته هذه اللجنة كذلك، والثالث منها وهو الأخير، قد صرح رئيسها لنا عند البحث فيه أنه غير قابل للمناقشة في الأساسات التي بني عليها، وأنه يلزم إما أخذه كله أو رده كله؛ لأنه تضمن في اعتباره أقصى ما يمكن إنجلترا الاتفاق مع مصر عليه، بل زاد أن هناك شكا في جواز التساهل في بعض ما اشتمل عليه، ولكنا وجدناه مع ذلك معلقا بتنفيذه على غير إرادتنا وغير واف بمطالبنا؛ فلم يسعنا قبوله لخروجه عن حدود توكيلنا، وأظهرنا للجنة ملنر عدم رضائنا به. غير أنه - نظرا لاشتماله على مزايا لا يستهان بها، ولتغير الظروف التي حصل التوكيل فيها، وعدم العلم بما يكون من الأمة بعد معرفتها بمشتملاته، وقياس المسافة التي بينه وبين أمانيها - رأى إخواننا معنا خروجا من كل عهدة وحرصا على كل فائدة واستبقاء لكل فرصة، ألا يبت فيه رسميا بما يقتضيه توكيلهم قبل عرضه عليكم - أنتم نواب الأمة المسئولين وأصحاب الرأي فيها.
ثم قال:
فإذا رفضتم أعلن الوفد رسميا رفضه، وإذا قبلتم دخلت المسألة في دورها النهائي ووضعت معاهدة على القواعد التي تضمنها، وعرضت على الهيئة النيابية للتصديق عليها ووضع نظام دستوري للبلاد.
وهذه الخطة التي سلكها سعد في التوفيق بينه وبين أعضاء الوفد هي غاية ما كان في وسعه من الموافقة والمجاراة، فلم يكن مستطيعا أن يعلن استحسان المشروع وهو لا يستحسنه، ولا يرى في ضميره أنه محقق لإلغاء الحماية وإقامة الاستقلال، ولم يكن مستطيعا أن يقدم المشروع بغير بيان، ولا أن يقول في البيان غير ما قال من وصف صادق لجميع نواحيه في جانبي المزايا والنقائص، مع إطلاق الرأي لمن يشاء فيما يشاء.
ووصل الأعضاء المندوبون إلى الإسكندرية في اليوم السابع من سبتمبر بعد نشر البيان بيومين، فاحتفى بهم الشعب في الإسكندرية والقاهرة وعلى طول الطريق بينهما، وبدأ الاستفتاء بعد يومين. فعرض المشروع على المحامين وأعضاء الجمعية التشريعية ورجال الدين ورجال القضاء وأعضاء مجالس الأقاليم والمجالس المحلية، وأجمعت الطوائف في جملتها - ما عدا أنصار «الوزراء الأصدقاء» - على وجوب التعديل والتنقيح في بعض قواعده وتضمينه النص الصريح على إلغاء الحماية، وحذف ما جاء فيه عن امتياز المندوب البريطاني «بمركز استثنائي» غير مركز المندوبين الآخرين، وطلب الأكثرون تعيين حدوده المبهمة ومواعيده المرسلة، وإخلاءه من كل لبس واشتباه في مسألة السيادة القومية، وذهب كثيرون إلى رفضه بتاتا وفي مقدمتهم فريق من الأمراء، وذكروا السودان ووجوب الاحتفاظ بحقه وحق مصر فيه. نشروا على الملأ بلاغا قالوا فيه: «إننا لا نبرر عقد أي اتفاق ينافي أو ينقص استقلال مصر مع سودانها استقلالا تاما حقيقيا بلا قيد ولا شرط»، ثم فوضوا الأمر إلى الأمة صاحبة الرأي الأعلى.
وبعد عشرين يوما مضت في عرض المشروع والتعقيب عليه في الصحف والمجالس، اكتفى الأعضاء المندوبون بما اطلعوا عليه من آراء، وكتبوا بيانا شكروا فيه الأمة على ما قابلتهم به من الحفاوة، ونوهوا بالاستنارة التي «خلقت فرصة جديدة ظهر فيها رشد الشعب وحسن تقديره لجميع الظروف السياسية التي تحيط الآن بالفصل في مصيره ...»
وفي هذه العبارة ما لا يخفى من دلالة على نتيجة الاستفتاء عند المندوبين، وهي نتيجة يعتبرونها تمهيدا للقنوع والقبول لا تمهيدا للرفض أو التعديل.
ويلي هذا الفصل فصول عما حدث في مصر خلال المفاوضة، وبعد عودة أعضاء الوفد المندوبين لاستفتاء الأمة، إلى قيام الوزارة العدلية وعودة سعد إلى مصر، والخلاف على تأليف لجنة المفاوضة، ثم ذهاب عدلي باشا إلى لندن لمفاوضة الحكومة البريطانية، واستقالته لتعذر الوصول إلى اتفاق مقبول، ثم مساعي سعد في توحيد الصفوف ونشره البيان الذي حل السلطة الفعلية على التعجيل بنفيه، وفي ختامه يقول:
إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية في العالم، وقد حلفتم أن تعيشوا أحرارا أو تموتوا كراما، فلا تدعوا التاريخ يقول يوما فيكم: «أقسموا ولم يبروا بالقسم»، فلنثق إذن بقلوب كلها اطمئنان، ونفوس ملؤها استبشار بالاستقلال التام أو الموت الزؤام.
وقد نفي سعد وخمسة من صحبه إلى جزائر سيشل في أواخر سنة 1921، ونقل منها إلى جبل طارق، ولم تكد السياسة البريطانية تطمئن إلى إبعاده من ميدان الحركة الوطنية في مصر حتى بادرت إلى إعلان تصريح 28 فبراير المشهور.
Página desconocida