Saad Zaghlul, Líder de la Revolución
سعد زغلول زعيم الثورة
Géneros
ولجأ الماريشال اللنبي إلى أعضاء الوفد المصري، فاستدعاهم إليه في السادس والعشرين من مارس، وطلب إليهم أن يبسطوا أسباب الشكاية في تقرير يكتبونه، فقدموا له التقرير بعد أربعة أيام وفيه تلخيص للمظلمة السياسية من بداءة إعلان الحماية. وقالوا في ختامه:
غير أن السلطة العسكرية مع ذلك قد استدعتنا مرة أخرى في يوم 16 الجاري، وأعلنت إلينا أننا مسئولون عن هذا الاضطراب، وأننا مسئولون عن إزالته، ولكنها سمحت لنا هذه الدفعة أن نناقش أمر المسئولية، فأجبناها بأن هذا الاضطراب ليس نتيجة متوقعة لعملنا، ولا يصوغه برنامجنا بحال من الأحوال، بل نحن نأسف له. وأما تسكين هذا الاضطراب فليس في يدنا وسيلة فاعلة فيه، ونصحنا بأن أنجع الوسائل في تهدئة الخواطر بالطرق السلمية، إنما هو تأليف وزارة تعطي من الترضيات ما يرضي الشعب، حتى تستطيع أن تقوم بأعباء الظرف الحاضر.
هذا رأي أعضاء الوفد الباقين بمصر في الثورة، وهذا رأيهم في تفريج الأزمة، وهو رأي اتفقوا عليه مع كبار مصر الرسميين، ومنهم علماء الأزهر وبطريرك القبط الأرثوذكس وبعض الوزراء والنواب والسروات. وكتب به هؤلاء جميعا خطابا إلى القائد العام في الرابع والعشرين من شهر مارس؛ أي قبل استدعاء أعضاء الوفد إلى اللورد اللنبي بيومين، وكان تقديرهم أن الوزارة التي تؤلف تعمل لتهدئة الحال، دون أن يشترطوا سلفا لهذه التهدئة إفراجا على معتقلين أو سماحا لأحد بالسفر.
ثم قال أعضاء الوفد: «وفي اليوم التالي - وهو يوم 17 مارس - قابلنا الوزراء الثلاثة رشدي باشا وعدلي باشا وثروت باشا، وأقنعناهم بأن يظهروا استعدادهم للمفاوضة في تأليف وزارة تستطيع أن تقضي على هذه الحركة المخيفة التي تخشى عواقبها المجهولة، فأظهروا هذا الاستعداد لرجال دار الحماية ولكن الأمر لم يتم، والاضطراب يأخذ نسبا وأشكالا ليس الحكم على نتائجها في نفوس الناس بالشيء الميسور.»
وبعد أيام حان موعد صدور الميزانية وليس في البلاد وزارة ولا نواب يناقشونها، فلم ير المارشال اللنبي مخرجا من هذه الورطة إلا أن يعتمد الميزانية باسم السلطة العسكرية، فأصدر بلاغا بذلك في أول أبريل، ولكنه حل مشكلة وأثار مشاكل؛ فإن هذا التحدي ألهب في النفوس جذوة الغضب وشحذ فيها عزيمة المناجزة؛ فعاد التجار إلى إغلاق حوانيتهم، وأضرب بعض الموظفين ممن لم يكونوا مضربين، وتمرد طلاب المدرسة الحربية ومدرسة الشرطة، فخرجوا متظاهرين أمام قصر السلطان ودور السفارات، وكانوا قبل ذلك يحتجزون عن المظاهرات، واشتدت ثورة الأزهر وكثرت اجتماعاته، حتى لجأت السلطة العسكرية إلى مخاطبة شيخ الأزهر في إغلاقه دفعة واحدة أو الاكتفاء بإغلاقه في غير أوقات الصلاة، فأبى واعتذر بأن الله ينهى المسلم عن إقفال مساجد الله.
وفي السادس من الشهر وزع على الناس منشور من عظمة السلطان يقول فيه:
إني أنشر بين قومي هذه الكلمات التي كانت تختلج بصدري في الوقت الذي أخذت تتوارد إلي فيه ملتمسات الأماني القومية نحو مستقبل البلاد، وإني بالطبع لا أعني بالبلاد إلى بلادنا المباركة، لا أعني بالبلاد إلا وطننا العزيز: هذا الوطن الذي اقتضت حكمة الله أن يكون جدي الأكبر محمد علي الكبير أكرم الله مثواه صاحب عرشه.
وفي ختامه طالب عظمة السلطان أبناءه المصريين بما له من حق الأبوة عليهم أن يتناصحوا بعدم الاستمرار على المظاهرات التي كانت عواقبها غير محمودة في بعض الجهات.
وبعد أن جربت السلطة العسكرية كل وسيلة، وفشلت في كل تجربة، لم يسعها إلا أن تجرب الوسيلة الوحيدة الباقية التي اقترحها المصريون من اللحظة الأولى، وهي إطلاق الحرية للوفد المصري ليسافر حيث شاء، فإن الحجر عليه هو سبب استقالة الوزارة، وهو سبب الإحجام عن تأليف وزارة أخرى، وهو سبب غليان النفوس وانفجارها ونشوب الثورة وانتشارها، فأذاع المارشال اللنبي في السابع من الشهر بلاغا يعلن فيه أنه بالاتفاق مع حضرة صاحب العظمة السلطان «لم يبق حجر على السفر، وأن جميع المصريين الذين يريدون مبارحة البلاد يكون لهم مطلق الحرية»، وأن «كلا من سعد زغلول باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وحمد الباسل باشا، ومحمد محمود باشا يطلقون من الاعتقال، ويكون لهم كذلك حق السفر».
فسرت نشوة الظفر والرجاء في نفوس الأمة قاطبة، وقامت مظاهرات الابتهاج في مكان مظاهرات الغضب والهياج، واستولى على الناس شعور مقدس غسل حوبة النفوس فنسي المجرم إجرامه والموصوم وصمته، وشوهدت جموع النسوة الشقيات المتبذلات على مركبات النقل يحيين وطنهن، ولا ينظر إليهن ناظر بعين المهانة أو الريبة أو المجون الذي تثيره أمثال هذه الجموع في غير تلك المظاهرات.
Página desconocida