هكذا وجدت نفسها تستقل الحافلة مرة أخرى متجهة إلى الطريق السريع. تذكرت تلك الليالي عقب موت أمها مباشرة، حين كانت تتسلل لتقابل لويد، بعد أن تكذب على صديقة أمها، المرأة التي كانت تقيم معها، بخصوص المكان الذي سوف تذهب إليه. تذكرت اسم الصديقة، اسم صديقة أمها، لوري .
من سوى لويد سوف يتذكر أسماء الأطفال، أو لون عيونهم. حين كانت تضطر السيدة ساندس إلى ذكرهم، لم تسمهم حتى أطفالا، بل «عائلتك»، حيث تضعهم في سلة واحدة معا.
لم تشعر بالذنب حين كانت تذهب للقاء لويد في تلك الأيام، بعد أن تكذب على لوري، بل شعرت بأن ذلك قدرها، بالإذعان فقط. لقد شعرت أنها لم توجد على الأرض إلا لتكون معه فقط وتحاول أن تفهمه.
حسنا، لم تعد تشعر بهذا الآن. لقد تغير شعورها.
كانت تجلس في المقعد الأمامي إلى جانب السائق. كان المشهد واضحا أمامها عبر الزجاج الأمامي؛ بذا كانت هي المسافر الوحيد في الحافلة، الشخص الوحيد بخلاف السائق، الذي رأى شاحنة تخرج من جانب الطريق بدون أن تبطئ من سرعتها؛ الشخص الوحيد الذي رآها تتأرجح عبر الطريق السريع الذي خلا من السيارات في صباح الأحد أمامهما وتقتحم الخندق على جانبه. بل ورأت شيئا أكثر غرابة: سائق الشاحنة يطير في الهواء بطريقة بدت خاطفة وبطيئة على السواء، سخيفة ورشيقة. ورأته يهبط على الحصى على حافة الرصيف.
لم يفهم بقية المسافرين لماذا فرمل السائق وعرضهم لتوقف مفاجئ غير مريح. وكل ما استطاعت أن تفكر به في البداية، كيف خرج من السيارة؟ الشاب أو الولد الذي لا بد أنه نام وهو يقود سيارته. كيف طار من الحافلة وانطلق في الهواء بهذه الرشاقة؟
رد السائق على المسافرين قائلا: «إنه رجل قطع الطريق أمامنا مباشرة.» كان يحاول أن يتحدث بصوت مرتفع وهادئ، لكن كان يشوب صوته مسحة دهشة؛ شيء من الرهبة. ثم أردف: «قطع الطريق واقتحم الخندق على جانبه. سوف نواصل ما إن نستطيع، وأثناء ذلك، لا تخرجوا من الحافلة من فضلكم.»
كما لو أنها لم تسمعه، أو كأنما تتمتع بحق خاص في أن تكون مفيدة، خرجت دوري من ورائه. ولم يوبخها.
قال - وهو يعبر الطريق: «أحمق لعين»، ولم يكن في صوته الآن إلا الغضب والحنق. «فتى أحمق لعين. هل تصدقين ما حدث؟»
كان الفتى يرقد على ظهره وقد تمددت ذراعاه وساقاه ، وكأنه شخص يؤدي دور ملاك في الثلج. الفرق أن ما كان حوله هو حصى وليس ثلجا. لم تكن عيناه مغلقتين تماما. كان صغير السن جدا؛ طفلا طالت قامته قبل حتى أن يبدأ حلاقة ذقنه، وربما لا يحمل رخصة قيادة.
Página desconocida