لم تعتقد دوري أنه مجنون. وما كتبه في تلك الأوراق بدا أنه يحمل أثرا من تبجحه القديم. لم ترد على رسالته. مرت أيام وأسابيع. لم تغير رأيها، لكنها ظلت متمسكة بما كتبه، وكأنه سر. ومن حين لآخر، حين تكون منهمكة في تلميع مرآة أو ترتيب ملاءة، كان يطغى عليها شعور ما. لمدة عامين تقريبا لم تبال بالأشياء التي تسعد الناس عامة، مثل طقس معتدل أو ورود مزدهرة أو رائحة مخبز ما. لا تزال تفتقد الحس العفوي بالسعادة، بالضبط، لكنها تتذكر كيف كان. لا يتعلق ذلك الشعور بالطقس أو الورود. لقد كانت فكرة أن الأطفال فيما أسماه بعدهم هي التي تسللت إليها بهذه الطريقة، ولأول مرة، أثارت لديها شعورا بالبهجة وليس بالألم.
في كل الأوقات منذ حدث ما حدث، كانت أي فكرة تخطر لها عن الأطفال بمثابة شيء يجب عليها أن تتخلص منه؛ تسحبه فورا مثلما تسحب سكينا في رقبتها. لم تستطع أن تفكر في أسمائهم، وإذا سمعت اسما يشبه اسما من أسمائهم كان عليها أن تسحبه أيضا. حتى أصوات الأطفال وصيحاتهم وضربات أقدامهم وهم يجرون من حمام سباحة النزل وإليه، كان يجب أن تبعد عنها بصفع باب ما قرب أذنيها. ما كان مختلفا الآن أن لديها ملاذا تستطيع اللجوء إليه ما إن تظهر هذه الأخطار في أي مكان حولها.
ومن الذي منحها إياه؟ ليست السيدة ساندس؛ هذا أكيد. ليس خلال كل تلك الساعات التي جلست فيها إلى المكتب مع علبة مناديل في متناول يدها.
منحها لويد هذا. ذلك الشخص الفظيع، الشخص المعزول والمجنون.
قد يكون مجنونا إن شئت أن تسميه كذلك. لكن أليس من المحتمل أن ما يقوله صادق؛ أنه وصل إلى الجانب الآخر؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يقول إن رؤى شخص ارتكب فعلته وقام بتلك الرحلة لا تعني شيئا؟
تسللت هذه الفكرة إلى ذهنها واستقرت.
ورافق تلك الفكرة فكرة أن لويد، من دون الناس جميعا، ربما هو الشخص الذي يجب أن تكون معه الآن. أي فائدة أخرى يمكن أن تكون لوجودها في هذا العالم - بدا لها أنها تقول هذا لشخص ما، السيدة ساندس على الأرجح - ما هدف وجودها إن لم يكن الإنصات إليه على الأقل؟
قالت للسيدة ساندس في ذهنها: لم أقل «أسامح». ما كنت لأقول هذا أبدا. لم أكن لأفعله أبدا.
ستقول لها، فكري فحسب. ألم يعزلني ما حدث مثلما عزله تماما عن العالم؟ لن يرغب أي شخص يعرف بالأمر أن أكون قريبة منه. كل ما أستطيع أن أفعله أن أذكر الناس بما لا يطيق أحد منهم تذكره.
لم يكن التنكر نافعا حقا. إن هالة المعاناة والعذاب التي تحيط بي لشيء مقزز. •••
Página desconocida