Senda de la vida
سبيل الحياة
Géneros
فشعرت بندم وأسف وخجل، لأني عرضت «فلانا» هذا لغضب سعد أمام نحو عشرين على مائدته! ولكن ماذا كان يسعني غير ذلك؟ لقد حذفت من كلام سعد نحو سطرين بأمر «فلان» هذا الذي ادعى أن سعدا وكله وأنابه عنه ي مراجعة خطبه، وكان لابد أن أذكر الحقيقة، لأن سعدا كان يهم بأن يؤاخذ الوزارة - وكانت تسمى يومئذ «وزارة الثقافة» - بهذا الحذف، ويتخذ من ذلك سببا لمجافاتها، وله الحق، ولكنها كانت غير ملومة، وإنما كان الملوم عضوا من أعضاء الوفد.
بعد ذلك أم أقابل سعدا إلا مرة أخرى يطول الكلام فيها، لأني خالفته في سياسته وإن كانت الغاية واحدة، ولم تمنعني مخالفته قط من إجلال صفاته وعرفان قدره والاعتراف بفضله.
وأحسب أن مما جعلني أخيب الخياب أني عملت في أول عهدي بالصحافة في جرائد أصحابها من ذوي المنازل الملحوظة وممن لهم مشاركة كبيرة في الحركة الوطنية والمساعي القومية.
فقد كان كل ذي رأي ومقام في هذا البلد يومئذ، يزور «الأخبار» مثلا فلا نحتاج أن نسعى إليهم لنقف على الحقائق، ونطلع على الأسرار حتى لقد كنا نمسي بعضهم مازحين «مدير مكتب إفشاء أسرار مجلس الوزراء»، وكانوا يحتشدون في غرفنا وفيهم الوفدي والدستوري والمستقل، ويتناقشون ويتجادلون ويذيعون المطوي، بالتفصيل الوافي الشافي، فنحيط بكل شيء وما تكلفنا جهدا ولا نهضنا عن مكاتبنا واعتدت أن يسعى الناس إلينا ولا نسعى إليهم، فنفرت - أو زدت نفورا - من السعي والبحث والتقصي.
وأضرب مثلا آخر لما يصح أن أسميه «بركة العجز»، ذلك أني كنت أتولى تحرير جريدة لا داعي لذكر اسمها، فتلقى صاحبها رسالة بالبريد بغير إمضاء يسرد فيها كاتبها قصة تعد من الفضائح بتفصيل يوقع في الروع أنها صحيحة، فأبيت نشرها معتذرا بأن الواجب هو أن نتحرى «تحري الرجل الرشيد» قبل النشر، فقال صاحب الجريدة أنه لو كان هو المحرر المسئول لنشر الرسالة فإنه مقتنع بصحتها، فقدمت له استقالتي ليكون حرا في تصرفه فأباها ووكلني إلى رأيي.
وكان اليوم التالي يوم عطلة، فركبت سيارتي وانطلقت بها إلى طنطا وفي نيتي السفر إلى الإسكندرية، واسترحت قليلا في مقهى وإذا بمحام من أصدقائي يقبل علي ويدعوني إلى الغداء معه فاعتذرت، فألح، وكان يعرف صاحب الجريدة ويحبه فقصصت عليه ما جرى بيننا، وقلت إني آسف لسوء التفاهم ولكنه لا يسعني إلا ما فعلت، فهون الأمر علي؛ ومضى بي إلى مكتبه، وفتح خزانة وأخرج منها ملف قضية دفع به إلي وقال «هنا تجد الموضوع كله» وكان هذا صحيحا، فقد كان في الملف كل ما يثبت صحة الرسالة التي أبيت نشرها..
ولا أحتاج أن أقول أني كنت أرقص من الفرح بهذا التوفيق العجيب الذي يسر لي أن أقوم بحملة شعواء أدت إلى خروج الرجل من مصبه!
وهكذا ترى أن العجز له بركة فاللهم أدمها علينا!
الفصل الخامس
سبيل الصحافة
Página desconocida