ألا ترى أن من كان على مائدة قوم وعليها ألوان الأطعمة اللذيذة يأكل منها ويلتذ بها وينتظر لونا آخر ويتيقن وصوله فإنه لايكون في تنغيص وتكدير، بل يكون في سرور متضاعف. حتى لو قدمت إليه الأطعمة كلها دفعة واحدة لتبرم بها.
كذلك حال أهل الجنة لايكونون في غم وتنغيص إذا كانوا يتيقنون وصولهم إلى ما ينتظرون على كل حال(1).
الشبهة الرابعة: فإن قيل: إن انتظار رحمة الله من قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا فكيف يوعدون به في الآخرة؟
جوابها: البعد ما بين الانتظارين واضح، فشتان بين حال من كان في دار الشهوات والنزغات غير عارف بخاتمته ولامتيقن بمصيره، ومن طوى المراحل وتجاوز العقبات حتى تلقته الملائكة في زمرة السعداء: {ألا تخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}(2).
الشبهة الخامسة: فإن قيل إن قول الله تعالى: {لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} عام وقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} خاص، ومن حق العام أن يبنى على الخاص كما من حق المطلق أن يبنى على المقيد.
جوابها: إنما يبنى الخاص على العام إذا أمكن تخصيصه، وهذه الآية لاتحتمل التخصيص، لأنه تعالى تمدح بنفي الرؤية تمدحا يرجع إلى ذاته وما كان نفيه مدحا راجعا إلى ذاته كان إثباته نقصا، والنقص لايجوز على الله تعالى. وقد يجاب بأنه لايصح هذا إلا إذا كانت الآية دالة على الرؤية أما إذا كانت محتملة للرؤية وغيرها فالمحتمل لايحتج به فلا يصح التخصيص بها.
أي أن هذه الآية إنما تخصص تلك الآية إذا أفادت أنه تعالى يرى في حال من الأحوال وليس في الآية ما يقتضي ذلك، لأن النظر ليس هو بمعنى الرؤية البصرية للذات الإلهية كما تقدم.
Página 63