وخلاصة القول(1): هو أن موسى (ع) ما سأل الرؤية طامعا في حصولها وإنما سألها ليكون سؤاله وسيلة من وسائل الإقناع الذي يحرص عليه وأسلوبا من أساليب الدعوة التي يقوم بها ومثله في ذلك مثل إبراهيم (ع) الذي قال عندما رأى الكوكب والقمر والشمس: {هذا ربي}(2). فإنه بالقطع لم يرد تأليهها لأن العقل السليم لايستسيغ بحال تأليه المخلوقات فكيف بعقول النبيين الذين اصطفاهم الله عز وجل ليكونوا وعاءا لهدايته وتجسيدا للحق الذي أرسلهم به.
بل كيف بعقل الخليل إبراهيم (ع) الذي أكرمه الله بخلته واجتباه لأن يكون أبا للنبيين وإماما للحنفيين؟! وإنما أراد إبراهيم (ع) بما قاله مما ظاهره كفر وحقيقته إيمان وتوحيد إقامة الحجة على من حوله من الذين يعبدون الأجرام السماوية بأن هذه الأجرام ما هي إلا كائنات متنقلة تعتريها الأحوال ويطرأ عليها الأفول، وما كان كذلك فليس من الربوبية والألوهية في شيء، ويدل عليه قوله تعالى عقب حكاية قصته: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه}(3).
وإذا كان هذا هو محمل كلام إبراهيم (ع) مع عدم وجود نص في القرآن يدل على أن قومه كانوا يعبدون هذه الأجرام. فحمل سؤال موسى (ع) للرؤية على قصد تبكيت قومه، أولى لكثرة النصوص المتقدمة الدالة على أنهم هم الذين سألوها.
وهل يعقل أن يسأل موسى عين ما سألوه وهم الذين أصابهم ما أصابهم من التقريع والتوبيخ على ما سألوا. فتا الله ما القول بذلك(4) إلا تنظير لموسى (ع) بأنذال بني إسرائيل وإنزال له (ع) من علياء النبوة التي رفعه الله إليها واصطفاه من أجلها إلى دركات الجهل التي انحط إليها أسلاف اليهود الذين سألوا رؤية الله فحقت عليهم كلمة الله باستحقاق هوان الدنيا وعذاب الآخرة.
Página 43