La visión de Dios entre la razón y la tradición

Abdullah Ibn Hamud Cizzi d. 1450 AH
109

La visión de Dios entre la razón y la tradición

رؤية الله تعالى بين العقل و النقل

قال العلامة المقبلي في الأبحاث المسددة (2) في سياق كلام له حول الرؤية وبعد أن ذكر أن النفي عام وشامل لجميع الأوقات، قال ما لفظه: ((إذا عرفت ذلك فحاصله أن هذا مساو لقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}[الأنعام: 103] في أنه لا يراد بعض الأبصار في بعض الأوقات كما زعمت الأشعرية. إذ لا معلوم ضرورة لكل واحد. وأيضا لا يختص ذلك به تعالى: فكل موجود حتى السماء والأرض وسائر الواضحات لا تدركها بعض الأبصار في كل الأوقات. فلم يبق لنا إلا كل الأبصار في كل الأوقات، وهذا هو ما دل عليه السياق الذي لا حيلة فيه، أعني أن شأنه سبحانه ذلك فلا يدخله تخصيص بأي اعتبار ولذا عقبه بقوله تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها}[الأنعام 104] أي أنه قد بين لكم هذه الصفات من كونه لا شريك له، وأنه بديع السموات والأرض وما سيق بعد ذلك من الصفات الثبوتية والنفيية {فمن أبصر فلنفسه .. الآية}، والله يهدي بكتابه {من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}[المائدة: 16]. اه الشبهة الثالثة: إن الآية تدل على عدم رؤية الأبصار له، لكنها لا تدل على عدم رؤية المبصرين إياه، لجواز أن تكون نافية للرؤية بالجارحة مواجهة وانطباعا كما هي العادة، فلا يلزم منه نفي مطلق الرؤية، وخلاصة ذلك أن ما في الآية من امتداح إنما هو بنفي المبصرية لا بنفي الرؤية(1).

جوابها: البصر في الأصل هو الطاقة التي تتوصل بها العين إلى الإبصار، وإطلاقه على العين يجوز، كإطلاق السمع على الأذن، فلو فرضنا أن أحدا أبصر برأسه أو بأذنيه أو بمنخريه أو بيديه أو برجليه أو بجميع وجهه أو بجميع جسمه، لكانت الطاقة البصرية موجودة فيما أبصر به، وإذا كان المنفي في الآية إدراك البصر فإن كل ذلك داخل في النفي.

الشبهة الرابعة: إن عمومها (الآية) مخصص بأدلة إثبات الرؤية.

جوابها: إن هذه الشبهة مردودة بأمرين كما قال الخليلي:

الأول: عدم وجود المخصص، وهو واضح فيما قررناه من إبطال تعلق مثبتي الرؤية بما يتشبثون به مما ظنوه حجة ودليلا.

الثاني: إن سياق الآية مساق المدح له سبحانه بنفي إدراك الأبصار، مانع من التخصيص.

فإن قيل: إن انتفاء الرؤية عن الله تعالى لا يعد مدحا له سبحانه لمشاركة غيره له في ذلك كالرياح، الأرواح، الذرة، الكهرباء.

فالجواب: إن انتفاء الرؤية عنه سبحانه وتعالى إنما هو لجلاله وكبريائه، وانتفاؤها عن غيره ممالا يرى إنما هو لخفائه، مع أنه يترتب على هذا الإعتراض أن يكون قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} (2)، وقوله تعالى: {ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} (3) لا يعد مدحا لوجود مالا ينام ولا ينكح ولا يلد من مخلوقاته فالملائكة متصفون بذلك كله، والشمس والقمر وسائر الأجرام الفلكية هي أيضا لا تنام(4).

Página 112