عروبة مصر
حول مشكلة الانتماء
رؤية إسلامية
رؤية إسلامية
تأليف
زكي نجيب محمود
مقدمة
سؤال طرحته على نفسي، حين ألقيت نظرة إلى خريطة العالم الإسلامي، في امتداد رقعته الجغرافية، من أقصى الجنوب الشرقي لقارة آسيا، حتى أقصى الغرب في معظم القارة الأفريقية، وما إن ألقيت السؤال، حتى أجريت القلم خلال ستة أشهر، بالفصول التي هي مادة هذا الكتاب، وكانت هذه الفصول كلها تحمل أطرافا مما يصح أن يكون جوابا عن ذلك السؤال.
وأما السؤال فهو هذا: ما الذي أصاب العالم الإسلامي، فتخلف حتى أصبح في مؤخرة الركب الحضاري في عصرنا هذا، بعد أن كانت له، ذات حين، قيادة وريادة؟ على أنني إذا أخذت أضع الجواب في قطرات متفرقة متتابعة، أنظر في كل قطرة فيها إلى الموقف من إحدى نواحيه، كانت نظرتي تنحصر في ذلك الجزء من العالم الإسلامي - الذي يكون الوطن العربي الكبير، ثم كانت تلك النظرة - أحيانا كثيرة - تعود فتزداد انحصارا - حتى تقف عند حدود وطني الخاص الذي هو مصر، وسيجد القارئ في القسم الرابع من هذا الكتاب تحديدا دقيقا لدوائر الانتماء الثلاثة، التي على أساسها يتدرج الانتماء، من حيث التبعات الاجتماعية، تدريجا يجعلني مصريا أولا، وعربيا ثانيا، وفردا من أبناء العالم الإسلامي ثالثا، وهو تدرج لا أقيمه على درجات «الأهمية» لهذه الأجزاء، بل أقيمه على الأمر الواقع الذي يجعل الإنسان مسئولا أمام القانون عن وطنه الخاص، قبل أن يكون مسئولا عن المجالات الأوسع نطاقا، والتي ينتمي إليها جميعا بدرجات.
وقسمت فصول الكتاب أربعة أقسام، ففي القسم الأول منها، حاولت أن أبين كيف يعود العالم الإسلامي إلى قوته، إذا هو جعل العبادة تتسع في معناها، حتى تشمل بكل جدية واهتمام محاولات الكشف العلمي عن أسرار الكون، كشفا لا يقتصر على مجرد العلم في ذاته بتلك الأسرار، بل يجاوز ذلك إلى تحويل العلم إلى عمل في مجالات التطبيق الذي ينشط به الإنسان في حياته العملية، وإلا فماذا تكون الدلالة الحقيقية لكون الأمر بكلمة
Página desconocida