وانتقل بنا الحديث - كاتب هذه السطور مع طلاب الآداب بجامعة القاهرة وطالباتها - إلى ذكر ما ظهر به القرن الماضي في أوروبا من أفكار ضخام، انطلقت كلها من الرؤية الجديدة إلى حقيقة الكون، لكنها كانت أضخم مما يستطيع أهل زمانها ازدراده في وقت قصير؛ ولذلك لبثت معلقة لا تنتقل من صفحاتها لتسري في شرايين الحياة العملية، إلى أن جاء هذا القرن العشرون بحروبه وثوراته، فأخذ يتفحصها لعله واجد فيها هاديا تستضيء به الأمم في انتقالها من حضارة كانت إلى حضارة ستكون، وكان أهم تلك الأفكار الضخام أربعا: جاء ماركس بمذهبه وبمنهجه، وداروين بنظريته البيولوجية في التطور، وفرويد بتحليله للنفس، ثم أينشتين بنظريته في النسبية، على أن تلك الأفكار الضخام الأربع، جاوزها وسايرها طريقة جديدة في البحث العلمي، أساسها الاستناد إلى أجهزة يبتكرها العلماء: لتصل بهم إلى دقة النتائج ومضاعفة قدراتهم على فك رموز الطبيعة لتنطق لهم بأسرارها، وكانت تلك الطريقة الجديدة هي ما يسمى بالتكنولوجيا (ومعناها الأصلي: علم البحث بالأجهزة).
انتقلت تلك الأفكار الأربع، وانتقلت معها طريقة البحث الجديدة، إلى هذا القرن العشرين، فأصبحت هي شغله الشاغل حتى هذه الساعة: فما من فكرة واحدة منها، إلا ولها أثر عميق على تغيير حياة الناس عما كانت عليه، وكذلك ما من فكرة واحدة منها إلا وقد أخذت هي نفسها تتطور على أيدي العلماء والباحثين، مما أدى إلى أن تكون الفترة الحاضرة التي تعيشها دنيانا سريعة التغير والتحول، ونتج عن هذا التقلب السريع أن بات هذا القرن العشرون، بعد الحرب العالمية الأولى وحتى الآن، يجتاز مرحلة انتقال بين حضارتين بلغت أولاهما ذروتها في القرن الماضي، وأما الثانية فيرجى أن تكتمل صورتها في القرن الحادي والعشرين، ومن هنا نفهم لماذا اهتزت بنا القيم، وارتجت النظم، وكثرت الحروب والثورات، واتسع نطاق العنف، وغمضت الرؤية أمام الجميع. •••
وكان الطلبة والطالبات الذين شاركوا في اللقاء، قد أثيرت رغبتهم في السؤال عن جوانب ورد ذكرها في حديثنا معا، لكن الوقت لم يكن يسمح بامتداد الجلسة فترة أطول، فحملوني حزمة من أسئلتهم، فلما عدت إلى داري تصفحتها وبوبتها، وإذا أهم ما فيها أسئلة عن «الفلسفة» ذاتها ما طبيعتها، والحق أني لا أدري كم من السائلين كانوا من طلاب الفلسفة، وكم كانوا من طلبة الأقسام الأخرى، وجاءوا ليشاركوا، وهاك بعض ما ورد في تلك الأسئلة: وسأتبع كل سؤال منها بإجابة موجزة.
سؤال (1):
ما جوابك عن قول لفضيلة الشيخ بأنه لا مكانه للفلسفة في الإسلام؟
الجواب:
الدعاء بالرحمة لفلاسفة المسلمين: الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن طفيل، وابن باجة، وابن رشد.
سؤال (2):
هل تستطيع الفلسفة أن تغير الواقع؟
الجواب:
Página desconocida