يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم، وإن لم تغتسل، وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاة، وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتطهّر، فتجمع بين الأمرين، وهو قول واضح ويعضده قوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ " (١).
ففي النموذجين السابقين نجد الزمخشري المفسر هنا فقيهًا، له شخصية علمية واضحة، لم يكتف بعرض الآراء، بل يناقش الأدلة، وأوجه الاستدلال، ويؤدي به الأمر أحيانًا إلى اختيار غير مذهبه الحنفي إذا رأى قوة أدلة المذهب المخالف، كما فعل هذا في الآية الثانية.
ثالثًا: لم يكن الزمخشري غفلًا في هذا المجال العلمي بل شهد له بذلك وأثنوا عليه، فالمترجمون له يصفونه: "بأنه كان فقيهًا مناظرًا" (٢)، كما يوصف: "بالفقيه الحجة" (٣).
وكل هذه الدلائل مجموعة تثبت أن الزمخشري كان فقيهًا مبرزًا، كما كان لغويًا، ومفسرًا، وأديبًا، وشاعرًا، إلا أنه اشتهر في الأوساط العلمية، وبخاصة في العصر الحديث، باللغة والأدب، لبروزه وكثرة اشتغاله بهما أولًا، ولتركيز الباحثين على هذا الجانب في معارفه ثانيًا، وأصبح الجانب الفقهي لديهم نسيًا منسيًا.
والزمخشري كغيره من علمائنا يجيدون فنونًا متعددة، وعلومًا شتى، ولكنهم يبرزون في فن واحد أكثر من غيره، فيعرفون به، ويعدّون حجة فيه.
أخلاقه
كان الزمخشري أبىّ النفس، معتزًا بها، يأنف الضيم، ومن ثم كان شديد الاعتداد برأيه، والثقة بنفسه والصلابة فيما يذهب إليه من آراء والتمسك بما يعتقد أنه
_________
(١) انظر: الكشاف ١/ ١٣٤ آية (٢٠٣)، ١/ ١٢٥، ١٢٦، آية (٢٣٣)، ١/ ١٤١، وبالتفصيل: تفسير سورة الحج والطلاق.
(٢) الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص ٢٠٩.
(٣) انظر: الزمخشري لغويًا ومفسرًا، ص ١٤١.
1 / 51