وحضر مجالس كبار العلماء وتلا عليهم القراءات بالسبع وبالعشر، وأخذ حظه وقسطه عن علماء (بغداد) ممن ظل ملازمًا معتكفًا بها رغم ما حدث بها. وتحمل الجعبري الصعوبات، وتجشم العقبات في سبيل تحصيل العلم، ونال ما كان يصبو إليه بهمة عالية، وأخذ الفقه عن أبي العز محمَّد بن عبد الله البصري الشافعي المدرس بالمدرسة النظامية والذي كان حيًا في (بغداد) قبل عام ٦٧١ هـ (١).
وأصبح بعد ذلك من الأعلام المشار إليهم بالبنان، وعد من علماء (بغداد) وبها تخرج، وفاق الأقران، ولقب بتقي الدين، فأدرك الفوائد العلمية، واتسع أفقه العلمي، وارتفع مستواه، واطلع على أكثر الكتب، وبذل الجهد، وجرّد ساعد الجد والاجتهاد، وبدأ مرحلة التأليف، وبرع في القراءات، فكتب فيها كتابه (نزهة البررة في قراءات الأئمة العشرة)، وكتابه (عقود الجمان في تجويد القرآن) (٢)، وعرضهما على شيخه منتجب الدين التكريتي أبو علي الحسين (٣) بن الحسن المقرئ الفقيه الحنبلي المتوفى سنة ٦٨٨ هـ، وهو الذي تخرج عليه في القراءات وسمع منه وقرأ عليه بعض الكتب (٤).
وفي هذه الفترة عمل ردًا على المآخذ الواردة على كتاب التعجيز من قبل شيخه سراج الدين عبد الله بن (٥) عبد الرحمن بن عمر الشارمساحي المالكي المتوفى سنة ٦٦٠ هـ الذي كان معيدًا بالمدرسة المستنصرية، وقد عرض الرد على صاحب (التعجيز) ابن يونس وهو
_________
= الناصر بن المستضيء، الخليفة العباسي، ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٢٣ هـ، وقد جعل المستنصر هذه المدرسة في بغداد للمذاهب الأربعة وجعل فيها دار حديث، وحماما، ودار طب، وجعل فيها من المعاش ما يحتاج إليه الدارسون ووقف عليها أوقافًا عظيمة.
انظر: البداية والنهاية لابن كثير ١٣/ ١٤٩، وفي السلوك ١/ ٣١٠ - ٣١١. وتوفى الخليفة المستنصر بالله سنة ٦٤٠ هـ.
(١) انظر: برنامج ابن جابر الوادي آشي ص ٥١.
(٢) سيأتي التعريف بهما في فصل آثار المصنف ومؤلفاته ص ٦٣، ٦٨.
(٣) له ترجمة في: غاية النهاية ١/ ٢٤٠ رقم ١٠٩٩، وفي عوالي مشيخة المصنف ق ٦٢/ أ.
(٤) عوالي مشيخة برهان الدين ق ٦١/ أ.
(٥) له ترجمة في: الديباج المذهب ١/ ٤٤٨، وفي شجرة النور الزكية ١/ ١٨٧، وشارمساح: اسم بلدة بمصر تقع على الضفة الشرقية لفرع دمياط، وفي معجم البلدان ٤/ ٢١٢ هي إحدى قرى الدقهلية. وانظر: القاموس الجغرافي للبلاد المصرية ص ٢٤٣، والشارمساح - بشين معجمة بعدها ألف وراء مهملة وميم ساكنة وسين مهملة وألف وحاء مهملة - كما في الديباج المذهب.
1 / 39