Roma
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Géneros
وكان والنس قد أظهر تحيزا شديدا لآريوس والآريوسيين، فنفى جميع الأساقفة النيقيين وقهر رهبانهم على اللحاق بالجيش وقتل وأحرق، فلما سقط في أدريانوبوليس في السنة 378 ورضي ثيودوسيوس أن يتسلم الحكم (379)، اشتد التنافر بين الآريوسيين وبين النيقيين وعم جميع الأوساط الشعبية رجالا ونساء. ومن ألطف ما جاء في المراجع في وصف تدخل «العوام في علم الكلام» قول غريغوريوس أسقف نيسة اليونانية: «والجميع في الشوارع والأسواق وفي الساحات وعند مفترق الطرق يتكلمون فيما لا يفقهون، فإذا سألت أحدا من الباعة: ماذا أدفع؟ أجابك: هو مولود أو هو غير مولود، وإذا أنت حاولت أن تعرف ثمن الخبز أجابوك أن الآب أعظم من الابن، وإن سألت هل الحمام جاهز سمعت جوابا أن الابن جاء من العدم.»
10
ويرى رجال الاختصاص أن ثيودوسيوس عزم منذ أن تسلم أزمة الحكم على أن يجعل العقيدة الكاثوليكية الأرثوذكسية عقيدة الدولة،
11
فإنه منذ السابع عشر من حزيران سنة 379 عندما أصدر براءته الأولى وحدد فيها واجبات كبير الكهنة الوثنيين في أنطاكية؛ امتنع عن أن يشير إلى نفسه باللقب الوثني: الحبر الأعظم، ولعل السبب في هذا أنه ولد من أبوين مسيحيين إسبانيين وأن حبر رومة دماسوس الكبير استغل نفوذ الحاشية الإسبانية المسيحية لحمل الإمبراطور على مراعاة الكنيسة، وعاد ثيودوسيوس في الثامن والعشرين من شهر شباط من السنة 380 فأصدر براءة خاصة جعل بها العقيدة النيقاوية عقيدة الدولة، فقال ما معناه: «وعلى جميع شعوبنا أن تجتمع حول العقيدة التي نقلها بطرس الرسول إلى الرومان، العقيدة التي يقول بها أسقف رومة دماسوس وأسقف الإسكندرية بطرس؛ أي أن يعترفوا بالثالوث الأقدس: الآب والابن والروح القدس، وللذين يقولون بهذه العقيدة وحدهم حق التلقب بالمسيحيين الكاثوليكيين،
12
أما الآخرون فإنهم هراطقة موصومون بالعار لا يحق لهم أن يدعوا الأبنية التي يجتمعون فيها كنائس، وسينتقم الله منهم ونحن أيضا بعده.»
13
وما كاد الإمبراطور يدخل العاصمة القسطنطينية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني سنة 380 حتى أخرج منها أسقفها الآريوسي وأدخل إليها (26 تشرين الثاني سنة 380) «بلبل قبدوقية الأزرق» غريغوريوس الثاولوغوس النازيانزي بجميع مظاهر الأبهة والإجلال. وغريغوريوس هذا العظيم ولد بالقرب من نازيانزة في قبدوقية في السنة 330، ودرس في الإسكندرية وقيصرية وآثينة - كما مر بنا - وكان قد اشتهر بعلمه وفلسفته وفصاحته، وسيم أسقفا على ساسمة فنازيانزة، وأراده ثيودوسيوس أسقفا على العاصمة. وفي العاشر من كانون الثاني سنة 381 أردف ثيودوسيوس براءته هذه الأولى ببراءة ثانية فصل فيها العقيدة الأرثوذكسية الكاثوليكية كما كان قد أقرها المجمع المسكوني الأول في نيقية، وأبان أن الهرطقة
14
Página desconocida