Roma
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Géneros
ولن أنسى عطف مؤرخ بيروت الأكبر العلامة الأب رينه موترد اليسوعي، وتشجيع صديقي الأستاذ فؤاد إفرام البستاني رئيس الجامعة اللبنانية، ومعونة زملائي فيها؛ الأستاذ بطرس البستاني والأمير موريس شهاب والدكتور بطرس ديب. وقد لقيت في شخص رئيس دائرة التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية الدكتور نقولا زيادة وفي الأستاذين الدكتورين جبرائيل جبور وأنيس فريحة أصدقاء مخلصين مضحين. وهل أنسى ما عانته زوجتي وشريكة حياتي من مشقة في تأمين راحتي وانقطاعي لهذا العمل زهاء سنتين كاملتين!
وكان الفراغ من تأليفه في رأس بيروت، في الثالث والعشرين من تشرين الأول سنة 1955.
أسد رستم
الباب الأول
المقدمة
الفصل الأول
تقهقر رومة الداخلي وأزمة القرن الثالث
النظام الكولوني وتأخر الزراعة
كان من جراء التوسع العسكري الروماني أن تعاظم كسب قادة الجيش وضباطه وحكام الولايات وكبار الموظفين، فعادوا إلى أوطانهم متمتعين بجميع ضروب التنعم والترف، مشبعين بغطرسة من ذاق لذة السلطة المطلقة بعيدا عن وازع الشريعة الرومانية وقيود النظم الجمهورية. ولم يكن في نظر الرومانيين ليليق بشيوخهم وعظمائهم ووجوههم أن يتعاطوا التجارة أو الصناعة، فتهافت الأغنياء والكبراء على اقتناء المزارع يضمون بعضها إلى بعض، فيكونون منها مزارع مترامية متسعة، ويستاقون إليها من ملكت أيمانهم من الأرقاء. ولم يقو المزارع الصغير على مزاحمة جاره الكبير فضم أرضه الصغيرة إلى أرض جاره الكبيرة، وربط نفسه بتلك الأرض إلى الأبد. ومع أن هذا النظام الكولوني لم يجعل منه رقيقا لسيده، فإنه فقد حريته أن يذهب حيث يشاء، وتعددت هذه المزارع الضخمة في إيطالية وصقلية وإسبانية، ولم يبق من المزارع الصغيرة القديمة إلا نزر يسير.
وكانت حياة الرقيق في هذه المزارع شاقة تعسة؛ فإنه كان يحشر ليلا في الثكنات حشرا ويساق نهارا إلى الحقل سوقا، وكان يكوى بمياسم؛ ليبقى الوسم علامة يعرف بها عند الفرار، فنفر الرقيق من صحبة سيده وانقبضت نفسه عن العمل له بإخلاص وأمانة. واضطر سيده أن يكلفه من العمل أنواعا معينة، تلك التي لا تتطلب الكثير من الأمانة والإخلاص، فحمله على تربية المواشي ورعايتها، فتضائلت - على الأيام - حقول القمح وبساتين الزيتون وكروم العنب، وبار بعض الأراضي وترك لينبت فيه العشب فترعاه تلك المواشي. واعتمدت رومة على قمح مصر وحبوبها لتغذية أبنائها وأبناء المدن الإيطالية الأخرى، وحذرت تصدير هذه الحبوب إلى أي مكان آخر، وسئم المزارع الكولوني هذا النظام، فهجر الأرياف وازدحم في المدن، ولا سيما رومة، ونافس غيره من الفقراء فيها على نصيب يناله معهم من إحسان الدولة، وكانت رومة قد أخذت تقل حروبها منذ عهد أوغوسطوس قيصر فيتناقص معها عدد الأسرى، وقلت اليد العاملة، فبارت الأرض لهذا السبب أيضا، وضعف الإنتاج الزراعي.
Página desconocida