Espíritu de las Revoluciones y la Revolución Francesa
روح الثورات والثورة الفرنسية
Géneros
والحوادث التي أوجبت هذا التحول كثيرة، منها الحروب والقحط والضرائب والبؤس العام الذي وقع في آخر عهد لويس الخامس عشر، فقد أقامت هذه الحوادث مقام احترام سلطة الملك - التي تزعزعت بالتدريج - ثورة في النفوس مستعدة للظهور عند سنوح أول فرصة.
ومتى بدأ المزاج النفسي في الانحلال لم يلبث أن يتم انحلاله، بهذا نفسر سرعة انتشار كثير من المبادئ بين الناس أيام الثورة الفرنسية، فهذه المبادئ التي لم تكن حديثة لم يظهر تأثيرها قبل حدوث تلك الثورة؛ لعدم مصادفتها بيئة صالحة ، وإن شئت فقل إن المبادئ التي استهوت الناس أيام الثورة الفرنسية رددها البشر كثيرا في الماضي، فهي التي أوحت إلى الإنكليز خطتهم السياسية فيما مضى، وقد دافع علماء اليونان واللاتين عن الحرية منذ ألفي سنة لاعنين المستبدين معلنين ما للسلطة الشعبية من الحقوق، ومع أن أبناء الطبقة الوسطى تعلموا جميع هذه المسائل كآبائهم في الكتب المدرسية فإنها لم تحرك ساكنهم لبعد الوقت الذي تستطيع أن تهيجهم فيه، وكيف تؤثر في الأمة في زمن تعودت فيه احترام المراتب؟
وتأثير الفلاسفة في حدوث الثورة الفرنسية غير ما يعزى إليهم، فهم لم يكتشفوا شيئا جديدا، وإنما أنموا روح الانتقاد التي لا تقاومها المعتقدات عندما تبدأ في الانحلال، وقد نشأ عن نمو روح الانتقاد تدرج الناس إلى ازدراء ما كان محترما، ومتى اضمحلت التقاليد والحرمات سقط البنيان الاجتماعي بغتة.
أثر الفلاسفة في الطبقات المتعلمة، وعجزوا عن التأثير في الشعب الذي يقتدي ولا يبتدع، وكان أكثر المصلحين حماسة في ذلك الزمن من أصحاب الثروة، وكان الأشراف ينشطون إلى مباحث العقد الاجتماعي وحقوق الإنسان ومساواة الوطنيين، ويهتفون للروايات التمثيلية المنتقدة أصحاب الرتب العالية واستبدادهم وعدم أهليتهم.
ومتى فقد الناس ثقتهم بأركان المجتمع عمهم اضطراب فاستياء، وشعرت طبقات المجتمع بزوال العوامل التي كانت تسيرها.
نعم، لم تكف روح النقد في الكتاب والأشراف لزعزعة أثقال التقاليد، ولكن تأثيرها دعم بمؤثرات قوية أخرى، وقد قلنا آنفا إن الحكومة الدينية والحكومة المدنية في الدور السابق كانتا موصولتين إحداهما بالأخرى وصلا وثيقا، فكان صدم الأولى يصيب الثانية بحكم الضرورة، والآن نقول: إن التقاليد الدينية عافتها نفوس المتعلمين قبل أن يتزعزع المبدأ الملكي، وذلك بسبب تقدم العلم الذي أوجب انتقال النفوس من عالم اللاهوت إلى عالم العلم.
فالناظر كان يشعر - بفعل هذا النشوء - بأن التقاليد التي قادت الناس قرونا كثيرة ليست ذات قيمة، وأن من الضروري تبديلها، ولكن أين كان يبحث عن عصا السحر القادرة على إقامة بنيان اجتماعي جديد مقام البنيان السابق؟
وقع الإجماع على وصف العقل بالقدرة التي خسرتها الآلهة والتقاليد، وهل كان يشك في قدرته على تحويل المجتمعات وهو الذي كثرت اكتشافاته؟ هكذا عظم شأن العقل في النفوس وتضاءل شأن التقاليد.
والمبدأ، الذي أسند تلك القدرة إلى العقل، وأوقد نار الثورة الفرنسية ، وسيرها من أولها إلى أخرها، هو الذي استعان به الناس على تحطيم قيود الماضي وإقامة مجتمع جديد.
ويلخص ما هبط ببطء إلى الشعب من نظريات الفلاسفة أن جميع ما عد في الماضي محترما أصبح غير جدير بالاحترام، وأنه لم يبق محل لإطاعة السادة السابقين وعدم تعدي الحدود.
Página desconocida