Espíritu de las Revoluciones y la Revolución Francesa
روح الثورات والثورة الفرنسية
Géneros
يدلنا هذا التحليل على أن اليعقوبي معتقد غير متعقل، وأنه لا يؤسس معتقده على العقل، بل يسكب العقل في قالب معتقده، وأن خطبه، وإن كانت مشبعة من العقليات، لا يسير عليها إلا قليلا، ولو كان اليعقوبي يتعقل بنسبة ما يلام عليه من التعقل لأجاب نداء العقل في بعض الأحيان، وقد دلتنا المشاهدة، منذ عهد الثورة الفرنسية، على أن العقل مهما كان سديدا لم يؤثر فيه قط، وهذا هو سر منعته، والسبب في عدم تأثير العقل فيه هو أن ما فيه من قصر النظر لا يسمح له بمقاومة اندفاعاته العاطفية المسيرة له.
ولا تتألف النفسية اليعقوبية من هذين العنصرين - أي العقل الضعيف والعواطف القوية - وحدهما، بل تتألف من عنصر آخر أيضا، فاليعقوبي الحقيقي ذو معتقد راسخ، والعاطفة تدعم المعتقد ولا تنشئه، فما ركن هذا المعتقد؟ هنا يبدو لنا عنصر التدين الذي بحثنا فيه سابقا، فاليعقوبي متدين أقام مقام آلهته القديمة آلهة جديدة، أي بما أنه كان للألفاظ والصيغ سلطان قوي على نفسه فإنه يعزو إليها قوة إلهية، ولا يتأخر في سبيل خدمة هذه الآلهة الكثيرة الطلب عن اقتراف أقسى الأعمال، والدليل على ذلك ما سنه اليعاقبة في الوقت الحاضر من القوانين.
وتظهر النفسية اليعقوبية عند ذوي الخلق الضيق الحمس على الخصوص، وتتضمن هذه النفسية فكرا قاصرا عنيدا لا يؤثر النقد فيه، وما تغلب على الروح اليعقوبية من التدين والعاطفة يجعل اليعقوبي كثير السذاجة، وهو لعدم إدراكه من الأمور غير علاقاتها الظاهرة يظن أن ما يساوره من الصور الوهمية حقائق ويفوته ارتباط الحوادث فلا يتحول عن خياله أبدا.
إذن، لا يقترف اليعقوبي الآثام لرقي منطقه العقلي، وإنما يسير لضعف عقله معتقدا مندفعا إلى حيث يتردد الرجل ذو المدارك السامية فيقف، وهو - كسائر المعتقدين - عاجز عن الخروج من دائرة المعتقد.
ويشبه اليعقوبي - بصفته اللاهوتية المكافحة المناجزة - أنصار كالڤن الذين قلنا في فصل سابق إنهم لم يثنهم شيء عن إيمانهم الذي نومهم، وإنهم رأوا كل من يخالفهم في معتقدهم جديرا بالموت، فقد كان أولئك الأنصار المتعقلون كاليعاقبة جاهلين ما يسيرهم من القوى الخفية ظانين أن العقل رائدهم مع أن الذي قادهم هو خلق التدين وعنصر الحماسة.
يتعذر علينا اكتناه اليعقوبي بقولنا إنه متعقل، ولا ينفعنا ذلك إلا في القنوط من العقل، وأما إذا قلنا إنه حمس متدين تيسرت لنا معرفة أمره.
وهذه الأمور الثلاثة - أي العقل الضعيف والحماسة الشديدة والتدين القوي - هي عناصر الروح اليعقوبية.
الفصل الثالث
النفسية الثورية والنفسية المجرمة
(1) النفسية الثورية
Página desconocida