El espíritu del gran Mahatma Gandhi
روح عظيم المهاتما غاندي
Géneros
ولكن الحقيقة أنه لا يدين بالبرهمية ولا بالبوذية، التي هي أشهر المذاهب في خارج الهند بعد الديانة البرهمية.
وإنما يدين - كما أسلفنا في الكلام على نشأته - بنحلة خاصة من نحل تلك الديانة القديمة، وهي النحلة الجينية، ولا يزيد عدد أتباعها في الهند اليوم على مليون ونصف مليون.
ولا غنى في الكلام على عبقرية غاندي عن تقرير هذه الحقيقة الهامة؛ لأنها توضح لنا تلك العبقرية من جانبين خطيرين: أحدهما أن الجينية - مع كونها نحلة دينية - هي في الواقع ثورة قومية على سلطان الغزاة الآريين، بل هي أقدم ثورة قومية روحية في الهند على ذلك السلطان؛ لأنها أنكرت نظام الطبقات الذي سجل به الغزاة سيادتهم على الشعوب الهندية الأصيلة، وأخذت في كتابة أسفارها المقدسة باللغة الشعبية المعروفة بالبراكريتية، وهي مشتقة من السنسكريتية القديمة لغة الغزاة الآريين، مع تحريف وزيادة طرأت عليها من اختلاط الغرباء بأبناء البلاد الأصلاء.
فالمهاتما إذن قد ورث دواعي الثورة على - السيادة الغالبة - من عقيدة الجينية، ولم يكن في حاجة إلى جهد كبير ليتجه بفكره وطبعه إلى مقاومة الغزاة الجدد في القرن العشرين ...
وقد ورثت كذلك دواعي الإصلاح الاجتماعي من تلك العقيدة القومية الروحية، فلم يكن في حاجة إلى مشقة كبرى للتفكير في إنصاف الضعفاء، والتسوية بين الطبقات.
أما الجانب الآخر الذي توضحه لنا تلك العقيدة من عبقرية غاندي، فهو مصدر آدابه الروحية التي كثر الكلام عليها بين الكتاب من الغربيين.
فقد سمعنا كثيرا أنه مدين بآداب السلام والمحبة لهذا الكاتب أو ذاك من الحكماء الأوروبيين، وذكروا اسم «تولستوي» الحكيم الروسي على الخصوص؛ لأنه كان أوفر الأعلام العالميين نصيبا من أحاديث الناس وتعليقاتهم، حين نشأ غاندي وأخذ في الاطلاع على الثقافة الأجنبية؛ ولأن غاندي نفسه قد خاطبه مرة خطاب التلميذ للأستاذ، وأشار إليه غير مرة في أحاديثه ومقالاته، وجاءت دعوته بعد دعوة تولستوي في البلاد الروسية، على مبادئ السلام والمحبة واجتناب العنف والانتقام.
إلا أن الواقع الذي لا مراء فيه أن مبادئ غاندي جميعا مستمدة من العقيدة الجينية، وأنه لم يدع إلى خطة واحدة في الإصلاح الاجتماعي أو السياسي لا ترد بجملتها وتفصيلها إلى تلك العقيدة، وكل ما استحدثه فيها من الخطط العصرية فهو من تصرفه ووحي عبقريته، ونزعة مزاجه وتفكيره، على حسب الحوادث والمناسبات.
فعبقرية غاندي لا تفهم على حقيقتها بمعزل عن العقيدة الجينية، وهي أحوج النحل الهندية في خارج الهند إلى شيء من البيان والتوضيح.
تنسب هذه العقيدة إلى «الجينا» بمعنى الظافر أو الغلاب، ويراد بالغلبة هنا غلبة الإنسان على شهواته وغوايات طبعه، ويلقب «بالجينا» عندهم كل إمام من أئمة الهداية يظهر في أوانه المقدور، وهم يظهرون على التوالي في كل دورة من دورات الدهر الطويلة، وهي عندهم دورات أبدية بغير نهاية ولا بداية، تعود كلما انتهت دواليك من أزل الآزال إلى الأبد الأبيد.
Página desconocida