El espíritu del gran Mahatma Gandhi
روح عظيم المهاتما غاندي
Géneros
ولم ينفرد بتنزيه غاندي عن التهم أبناء وطنه من البراهمة والمسلمين، فقد شهد بنزاهته كذلك كل من رآه من الأوروبيين، حتى أنصار الاستعمار من الإنجليز، بل شهد له قاضيه الذي أمضى الحكم بالسجن عليه. ورأينا بين كتاب الإنجليز من يقول في مجلة «نيشن» غير متلعثم ولا محترس: إنه ليس من التجديف أن يقارن بين غاندي والمسيح، وهي كلمة كبيرة من إنجليزي مسيحي في العصر الحديث، ولم يستطع السير فالنتين شيرول أن يلقي عليه الغبار الأسود الذي لا يعييه إلقاؤه على مخلوق يناهض الاستعمار البريطاني، فقال: إنه في الحركة الهندية «بلا فأس يشحذها لنفسه ...» وهذه الفأس عندهم هي كناية عن المصلحة الشخصية والأغراض المريبة، وكم من فأس خلقها شيرول وشحذها على حسابه لأناس لا يحملون الفئوس!» •••
خلصت الزعامة لغاندي على هذا النحو الذي يعد أعجب ما حدث من نوعه في تاريخ الزعامات السياسية؛ لأنك تستطيع أن تقول: إنه بلغ الزعامة بغير مجهود، كما تستطيع أن تقول: إنه بلغ الزعامة بأكبر مجهود يدخل في طاقة إنسان.
فغاندي لم يزاحم أحدا على زعامة وطنه، ولم يزاحمه أحد عليها، فهي زعامة من ثم بغير مجهود.
ولكن غاندي قد استحق الزعامة باعتراف موافقيه في الخطة ومخالفيه، واعتراف المستعمرين أنفسهم؛ لأنه انتصر في أصعب المعارك على المجاهدين: وهي معركة الشهوات والمطامع، وراض نفسه على ترك كل ما يصعب تركه واحتمال كل ما يصعب احتماله، فدانت له النفوس سهلة القياد بعد أن دانت له نفسه حيث لا تدين النفوس، وكانت أكبر شهادة له بين أبناء وطنه من أكبرهم وأولاهم أن ينفس عليه، وهو الشاعر تاجور، فقال عنه من كلام كثير: «إنه أعظم شخصية إنسانية رآها».
ولما خلصت له زعامة وطنه على هذا النحو مضى بها على سنته التي لا يحيد عنها، وهي سنة الحب الشامل والاحتراس من كل نزعة من نزعات الكراهية والعداء، وإن أصابه شر ما يصاب به المرء من أذى الكراهية والعداء.
ولا تخالجن أحدا ذرة من الشك في صدق غاندي حين يقول: إنه يحارب الاستعمار ولا يكره المستعمرين. فهكذا كان في كل صغيرة وكبيرة من حركاته ودعواته منذ بدأ جهاده في أفريقية الجنوبية: كان يحارب الأوروبيين والإنجليز ولا يعاديهم، وكان يرى لهم عليه حقوق الإنسانية كما يراها لأبناء وطنه وللمظلومين من أبناء الشعوب الملونة. فجند فرقة للصليب الأحمر في أيام حرب البوير، وأنشأ مستشفى في جوهانسبرج لعلاج جميع المرضى بالطاعون حين فشا في جوانبها، وهادن الحكومة في أوقات الحرج حتى جلب على نفسه سوء الظن من أبناء وطنه أنفسهم، فضربوه (في سنة 1907) ضربا مبرحا ليقتلوه، ولم يتركوه إلا وهم يحسبون أنه قد مات.
وهكذا كان يصنع في خصومة الحكومة الهندية على اختلاف موقفه منها، فكان يدعو أحيانا إلى التعاون وأحيانا إلى المقاطعة، واشتد في حركة المقاطعة (سنة 1920) حتى أمر أتباعه بالاستقالة من وظائف الحكومة ورد الرتب والألقاب الإنجليزية والإضراب عن أداء الضرائب، وعن المساهمة في القروض الحكومية، وحرم عليهم كل سلعة أجنبية، ونقض جميع القوانين التي تحتكر بها الحكومة سلعة من السلع، وتجاوز هذه القوانين إلى غيرها إذا وجب تحدي جميع القوانين لشل حركة الحكومة.
ولكنه كان في كل هذه المواقف معاونا أو مقاطعا، يوصي ويكرر الوصية باجتناب العنف واحتماله عن رضى وطواعية، واستخدام السلاح الوحيد الذي كان يرى أنه سلاح النصر في حالتي النجاح والإخفاق، وهو سلاح المحبة والمسالمة. وكان يقول لأتباعه: حاربوهم بالسلاح الذي يخافونه لا بالسلاح الذي تخافونه أنتم، وبينوا لهم أن سلاحهم لا يخيفكم فتفلوا ذلك السلاح في أيديهم، أما السلاح الذي كان غاندي يرى أنه يخيف المستعمرين فهو سلاح المحبة؛ لأنه سلاح جديد لم يتعودوه.
ومن اعتزازه بهذا السلاح أنه وصفه لهتلر ... نعم وصفه لهتلر كما يصنع أصحاب مصانع الأسلحة إذ يصفون مخترعاتهم الماضية لمن يحتاجون إليها. فكتب إلى هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية يقول له بعد مقدمة يذكر فيها تردده قبل الكتابة إليه: «... وظاهر جدا أنك اليوم الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يمنع حربا قد تهبط ببني الإنسان إلى درك الهمجية، فهل من اللازم أن تبذل هذا الثمن لأي غرض من الأغراض بالغا ما بلغ من الرجاحة في نظرك؟ أتراك تصغي إلى توسل رجل تعمد عن روية طويلة أن يتجنب وسائل القتال فلم يفته نصيب غير قليل من النجاح؟ غفرانك على أية حال إن كنت قد أخطأت في الكتابة إليك ...»
وهذا الخطاب يدل على أساليبه السياسية، كما يدل على اعتزازه بسلاحه. فإن غاندي صارح الإنجليز بوجوب الجلاء عن الهند بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، وقال: إنه لا يبغي بذلك إعناتهم في وقت المحنة، وإنما يعجل بالطلب؛ لأنه لا يرى ما يوجب تأخير الجلاء إلى ما بعد وقوف القتال في الميادين الأوروبية أو الأسيوية، ولكنه مع هذا لم ينظر إلى الحرب العالمية كأنها فرصة مواتية يترقبها لمصارحة الإنجليز بطلب الجلاء، وحاول بما في ميسوره أن يثني عنها من يخشى منهم الإقدام عليها.
Página desconocida