Rousseau: Una Introducción Muy Corta
روسو: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
لو استطاع لو كات قراءة القسم المخصص لهذا الموضوع الذي كتبه روسو أصلا كجزء من مؤلفه «خطاب عن اللامساواة»، والذي ظهر في نهاية المطاف بعد وفاته عام 1781 على هيئة فصلين من «مقالة عن أصل اللغات»، لفهم لم لا يمكن أن تشكل الموسيقى أي استثناء لأطروحة روسو العامة الخاصة بمقالته «خطاب حول الفنون والعلوم». على العكس من ذلك، فقد تجلى فساد الأخلاق البشرية أيما تجل، بحسب روسو، في تاريخ تطور الموسيقى. جادل روسو في مقالته بأن لغاتنا الأولى ربما نشأت في المناطق الجنوبية من العالم حيث المناخ المعتدل والأرض الخصبة. ولا بد أنها كانت تتمتع بسمة إيقاعية ونغمية مميزة، وكان طابع الحديث بها شعريا أكثر منه نثريا، ويتغنى بها الناس أكثر من أن يتحدثوا بها. ولذا، فلا بد أن أسلافنا في تعبيرهم الأول عن المشاعر التلقائية، باختصار، كانوا يغنون (الأعمال الكاملة، الجزء الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). لكن اللغات التي قدر لها أن تنشأ لاحقا في الظروف القاسية للشمال عبرت أولا عن احتياجات البشر لا عن عواطفهم، واتسمت بأنها أقل جهورية وأكثر حدة (الأعمال الكاملة ، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). ومع الغزو المحتم لمنطقة البحر المتوسط إثر موجة من الغارات البربرية، لا بد أن طريقة الكلام الحلقية والمتقطعة لأهل الشمال طغت على التنغيمات العذبة التي ساعدت على التعبير عن المشاعر البشرية من قبل، وفقدت كل حلاوة لغاتنا الأصلية واتزانها وأناقتها (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). زعم روسو أنه لا بد أن الأشكال اللحنية للكلمات قد ذوت، وحرمت تعبيراتنا تدريجيا من سحرها الأولي. وتحت نير الحكم البربري والعمالة الزراعية، طغى الطابع النثري الرتيب فعليا على الطابع الشعري الغنائي، وبالتزامن مع نشأة النثر، أمست اللغات، ولا سيما الأشكال الأولى للفرنسية والإنجليزية والألمانية تبعا لذلك، نثرية الطابع (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
والموسيقى، من ناحية أخرى، لا بد أنها فقدت طابعها الحسي بفعل فقدان المكون الدلالي اللفظي الذي يحدث في اللغات النثرية، ولا بد أنها قد شهدت المزيد من التطور وحسب بفعل الابتكار القوطي للإيقاع بحيث تم إقحام أنماط وترية على ألفاظ البشر لتتمخض عن متع متكلفة عوضا عن المتع الطبيعية للأغاني المتداولة. تحت هذه الضغوط، لا بد أن الموسيقى أصبحت أكثر اعتمادا على الآلات الموسيقية منها على الغناء؛ ولا بد أن حساب الفترات الفاصلة حل محل عذوبة التحولات اللحنية (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). ولا بد أن النثر كان يتم تهذيبه كتابة لا حديثا، ولم يكن ليتم توصيله بقوة تعبيرية، بل فقط بإحكام القواعد النحوية وباستخدام دقيق للألفاظ، التي كانت الضرورة تقتضى الاحتكام إليه كي يتأكد المرء من مشاعره (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
وكأنه يواجه تحدي لو كات الذي وجهه لفلسفته التاريخية، سمى روسو الفصل الأخير من مقالته «علاقة اللغات بالحكومة»، وزعم فيه أن اللغات التي انفصلت تدريجيا عن الموسيقى معادية للحرية. إن البلاغة النثرية تلهم المرء خلق الخنوع، والكلام الذي يمسي خاويا بسبب افتقاره للنغم والإيقاع، بحسب تأكيد روسو، يساعد أيضا على خلق بشر خاوين من الداخل . لقد أمست لغات أوروبا الحديثة مناسبة وحسب للحديث العادي على مسافات قصيرة، كالثرثرة العقيمة للذين يتمتمون وحسب بوهن بعضهم لبعض بأصوات تفتقر إلى التنغيم، ومن ثم تعوزها الروح والعاطفة أيضا. وبينما استسلمت لغتنا إلى فقدان سماتها الموسيقية، فقدت حيويتها ووضوحها الأصليين، وأضحت لا تتجاوز كونها محض همهمات واهنة لأشخاص يفتقرون إلى قوة الشخصية أو الغاية. وإذا كان هذا هو الجانب الخاص للغاتنا المعاصرة، فما زال تجليها العام، بحسب روسو، أثقل وطأة وأكثر تعسفا. فبالنسبة إلى الذين يحكمون آخرين وليس لديهم ما يقولونه هم أنفسهم، ليس بوسعهم الكثير عندما يجتمعون بالناس غير الصياح فيهم ووعظهم، بألفاظ مغالى فيها وعصية على الفهم. إن بيانات حكامنا ومواعظ رجال ديننا تسيء باستمرار استغلال أحاسيسنا، وتصيبنا بخدر المشاعر، وأمست الخطب والمواعظ الملتوية التي يلقيها الحواة من العلمانيين والمتدينين الشكل الوحيد للخطابة الشعبية في العالم الحديث (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
ولذا، فإن الوجهين الخاص والعام للغة، بحسب ما انتهى إليه روسو، يشكلان صورة دقيقة للحالة المتردية تماما التي وصلت إليها مجتمعاتنا. فقد أمسى الحوار مستترا، وأضحى الخطاب السياسي عقيما، ونجحنا جميعا في الوصول بأسلوبنا الأصلي في الحديث إلى شكل عصري؛ إذ أمسينا وحسب مستمعين صامتين للذين يحكموننا بمساجلات وتلاوات من منبر الحكم أو الوعظ. وحقيقة الأمر أنه حتى منذ أن أمست تلك الأشكال من البلاغة المشوهة غير ضرورية لإبقائنا في أدوارنا المخصصة لنا، أدرك حكام الدول الحديثة على نحو صحيح أن باستطاعتهم الحفاظ على سلطتهم دون عقد أية اجتماعات أو تجمعات شعبية بالمرة. كل ما في الأمر أنه باستطاعتهم صرف انتباه رعاياهم إلى الأمور الكثيرة التي قد يتبادلونها فيما بينهم، وعن القليل من الأفكار التي ربما يودون إيصالها رغم كل شيء؛ لذا فإن التنغيمات الصوتية في شكلها الأخير التي عبرت قبل ذلك عن متعنا أعيد تشكيلها باعتبارها الألفاظ التي تشير إلى أعمالنا. وبينما أنه لا بد من أن التعبير «ساعدوني»
aidez-moi
حل في الماضي محل «أحبوني»
aimez-moi ، فإن كل ما نحدث به بعضنا بعضا الآن هو «أعطوني المال»
donnez de l’argent (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). في الفصل الخامس عشر من الكتاب الثالث لمؤلفه «العقد الاجتماعي»، واصل روسو التأكيد على الفكرة نفسها، مقتطعا منها البعد الموسيقي، ومبقيا على البعد السياسي.
وبالطبع، لا بد أن عمل روسو «مقالة عن أصل اللغات» استلهم من أمور أكثر من مجرد اعتراض لو كات على «خطاب حول الفنون والعلوم». فاستنادا لشهادة روسو نفسه، كانت هذه المقالة تعد في الأساس جزءا من «خطاب عن اللامساواة»، لكنه تراجع عن ذلك؛ لأن المقالة كانت أطول من اللازم ولا تتسق مع موضوع الخطاب، ثم عاد فأرفقها عام 1755 بدراسة عنوانها «مبدأ اللحن» كتبها جزئيا ردا على انتقادات رامو لمقالاته حول الموسيقى التي خصصها لمؤلف «الموسوعة»، ثم ما كان منه إلا أن سحبها منها مرة أخرى. إن تأكيد المقالة على أولوية اللحن على الانسجام في الموسيقى محوري للقضية التي عرضها روسو معارضا بها رامو الذي أصر طوال حياته على أولوية الانسجام، التي فسرها في ضوء فكرته المبتكرة عن «الجهير الأساسي» للجسم الرنان. لكن معالجة روسو للموسيقى واللغة في مقالته تشكل جزءا جوهريا من فلسفته التاريخية أيضا، وتضم شرحا أكثر ثراء لزعمه بأن تقدم الحضارة أفضى إلى فساد الأخلاق مما يحويه نقاشه لأي من الفنون أو العلوم الأخرى. إلى هذا الحد تقبل المقالة تحدي لو كات لأطروحته الأصلية بأكبر قدر من المباشرة. في ملاحظة في «الرد الأخير» على بورد، زعم روسو أنه تنبأ مقدما وتعامل مع كل الاعتراضات المنطقية للناقدين التي يمكن أن توجه إلى رؤيته (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى)، لكنه بذلك لا يعطي إبداعهم حقه إلا قليلا، ولا يولي دقة ردوده السريعة غير المحسوسة أفكارها الجديدة إلى حد بعيد في نصه الأصلي قدرها الحقيقي.
شكل 2-4: صفحة عنوان مخطوطة «مبدأ اللحن».
Página desconocida