يا زمن الغم لماذا جئت الآن لتقتل حفلتنا؟
بنتي يا بنتي! لا بل يا روحي ... ميتة أنت!
وا أسفا ماتت بنتي
وستدفن مع هذه الطفلة أفراحي! (ف4، م5، 59-64)
5
وبهذا العرض السريع لمشكلات «النغمة» في الترجمة، نكون قد دخلنا بالفعل عالم روميو وجوليت بصعوباتها النقدية التي لا حصر لها! فإذا كنا نتردد هنا وهناك في مقصد الشاعر وفي «نغمة» ما يقوله الأبطال، فما بالك بالحكم على «نغمة» المسرحية بصفة عامة أي تصنيفها في إطار المدارس النقدية التي لن تقبل منا التردد أو الألوان الرمادية كما يقولون! والسؤال الأول هو (طبعا): هل هذه مأساة؟ إن البطلين يموتان في النهاية (وقبلهما يموت مركوشيو وتيبالت، وفي المشهد الأخير تموت والدة روميو أيضا!) وذلك كله في غضون الأيام المعدودة التي يستغرقها حدث المسرحية! بل إن شيكسبير يسميها هو نفسه «مأساة» وهو يذكر في البرولوج أن القدر يترصد هذين العاشقين (تعبس لهما الأفلاك، وتذيقهما أسواط هلاك!) ولكننا هنا لسنا أمام مأساة عامة أو مأساة كلاسيكية حيث يكون هلاك البطل منذرا بالتغيير في حياة قطاع كبير من البشر - فإذا كان ملكا أو أميرا أو حاكما من أي لون فجلال المأساة ينبع من المصير الذي يترصد الآلاف أو الملايين الذين ينتمون إلى حزبه أو حزب منافسه أو منافسيه، أي إننا - أيا كان حكمنا على طبيعة المأساة الكلاسيكية - لا بد أن نسلم بأن الجلال
grandeur
الذي يشيع في جنباتها يمكن إرجاعه إلى عظمة البطل الذي يمثل قمة من قمم السلطة؛ ومن ثم يكون له وزن لا يتمتع به أي من رعاياه - ولهذا المفهوم جذوره في الآداب القديمة مثل الملاحم والسير الشعبية؛ فالبطولة وحياة الأمم لا ينفصلان (انظر كتاب البطل في الأدب والأساطير للدكتور شكري عياد).
جوليت والقس لورنس.
ولكننا هنا نواجه نهاية فريدة إذ إن موت البطلين يبشر بعودة السلام بين الأسرتين المتنازعتين بحيث يحل الحب محل البغضاء، والتوافق محل الصراع، وتنعم فيرونا بعهد جديد تتغلب فيه على تراث الماضي الأسود! أي إن موت البطلين هنا يكتسب بعدا طقسيا لأنهما يتحولان - في آخر المطاف إلى المستوى الرمزي، فيظهران في صورة القرابين التي لا بد للمدينة أن تقدمها إلى إله الشر - إله الكراهية والبغضاء حتى يرحل عنها فيعود السلام والحب إلى أهلها! وهذه النظرة إذا سلمنا بصحتها تفسر لنا شتى النغمات التي تدف بين جوانح المسرحية - عالية أحيانا ومنخفضة أحيانا أخرى - ونعني بها نغمات القدر الشاعري (والدرامي في الوقت نفسه) الذي سيقبض إليه روحين بريئين في مقابل السلام! ولن يعدم القارئ صوت هذا القدر منذ البداية؛ فروميو يظهر في صورة المحكوم عليه بالهلاك، وهو يندفع اندفاعا غير مفهوم في الطريق الخطر الذي «كتب عليه» أن يتعسفه! ومن منا لا يعجب لذلك الإحساس الغامض الذي ينتاب روميو قبل ذهابه إلى حفل أسرة كابيوليت (ف1، م4، 106-114)؟ كيف نفسر شعوره بأنه مندفع إلى الهلاك؟ وكيف نفسر إحساس جوليت بالموت حتى وهي تنتظر قدوم روميو، في الفصل الثالث، المشهد الثاني؟
Página desconocida