381

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Géneros

1

كانت الباخرة الفرنسية مويت، وهي من البواخر التجارية قادمة من لفربول إلى الهافر.

وكان النسيم بليلا والجو صافيا والبحر ساكنا، هدأت مياهه فباتت كمياه البحيرات، فكان ربان تلك الباخرة يسير على ظهرها ذهابا وإيابا وهو ينظر إلى ما يكشف الفضاء من الصفاء نظرة رضى؛ إذ لم يكن يكدر ذلك الجو الرائق غير دخان سيكاره الكثيف، ثم كأنه قد تعب من المسير، فجلس على مقعد قرب أحد المسافرين وقال له: إذا لبث الطقس على ما هو عليه الآن فإننا نصل صباح الغد إلى ميناء الهافر، فأرى فرنسا بعد فراقي لها أربعة أعوام.

وكان لباس المسافر وجموده يدلان على أنه من الإنكليز، ولهذا فقد كلمه الربان بالإنكليزية، غير أن المسافر جعل يحادثه بالفرنسية الفصحى، فأجابه: إذن أتظن أننا نبلغ الهافر صباح الغد؟ - نعم، إلا إذا ثارت عاصفة أو فاجأتنا الأقدار بمصيبة لا نتوقعها.

ثم أخذ الربان منظاره وجعل يراقب فيه جهات الفضاء الأربع، وقال: إن السماء صافية والمياه هادئة، فسأعهد بقيادة السفينة إلى الربان الثاني وأنام الليلة مطمئن البال. وبعد هنيهة ودع المسافر وانطلق إلى غرفته، فبقي المسافر وحده على المقعد، فجعل ينظر إلى مغيب الشمس حتى توارت في حجابها، ثم أسند رأسه إلى يده وأخذ يناجي نفسه فيقول: «ما لقلبي قد اضطرب لمغيب الشمس، وما هذا التأثر الذي أجده حين أرى أشعة القمر الذهبية ترقص فوق هذه المياه، وقد عهدت قلبي خلوا من الإحساس، وما أنا من عالم الخيال أو الشعراء. وبعد فما هذا التشوق للوطن، وما هذا الارتياح الذي أشعر به حين قربي من هذا الوطن بعد طول الغربة، فإني أحتقر من يشكو وحشة الاغتراب بالحنين إلى الأوطان، بيد أني أشعر بأن قلبي يخفق سرورا حين أعلم أننا سنبلغ غدا إلى الهافر، ألعلي أصبحت شريفا لطول عشرتي للأشراف، وأصبحت ذا قلب يحن بعد اختلاطي مع ذوي العواطف؟ كلا ولكن هذا القلب الصخري لا يخفق هذا الخفوق لقرب وصولنا من الهافر، إلا لأن هذا الميناء لا يبعد سوى خمس ساعات عن باريس.»

وقد ذكر باريس كما يذكر الطفل اسم أمه، ثم قال: أيتها العاصمة الجميلة، إنك بلد رجال الجرأة والإقدام، فلا يفوز فيك غير رجال المطامع والنوابغ من أهل المكر والدهاء، فلقد أقمت أربعة أعوام في بلد الضباب - أي عاصمة الإنجليز - لا أغمض عيني إلا على رجاء أن تتمثل لي بالحلم باريس، تلك العاصمة الزهراء مرسح المطامع وميدان أصحاب العقول الراجحة.

ثم تنهد وقال: نعم، إني أقمت في لندرا أربعة أعوام، وقد حان لي الآن أن أعود إلى بلادي، ولقد نسي سكانها أني كنت أدعى الفيكونت دي كامبول، والمركيز دون أينجو، ورئيس الجمعية السرية، وتلميذ السير فيليام.

ثم نهض روكامبول وكان هو بعينه، ونزل إلى غرفته في السفينة وأخذ ملفا من الأوراق، وجعل يقلب فيها ويقول: أف للسير فيليام وللغته الهيروغليفية، ومن لي بحل رموزها! فلقد كان يكتب لشدة دهائه بلغتين، فيطلعني على أسرار الواحدة ويكتم عني الأخرى، فلقد مضى بي أربعة أعوام أقرأ هذه الأوراق دون أن أتمكن من حل طلاسمها، وكلما دنوت خطوة من أسرارها بعدت ميلا. مثال ذلك أني أقرأ بهذه الأوراق التي سرقتها ما يأتي:

يوجد في باريس في قصر ... في شارع ...

وقد كتب اسم القصر والشارع باللغة السرية التي لا أفهمها، ثم أقرأ ما يأتي:

Página desconocida