وأطرق الشيخ دون أن يجيب.
وسألت: وأخيرا عما حدث بين أبي وامرأة عمي، وما يدعوهما إلى الكره؟
وارتعش الشيخ لقولها، وقال لها: لماذا تسألينني هذه الأسئلة يا سيدتي؟
أجابته بلهجة أثرت عليه تأثيرا عظيما: ذلك لأني أريد أن أعرف كل شيء، ولماذا لم تذكر لي أمي مرة في جميع مدة اتصالك بنا؟ أجب إني أريد أن أعرف كل شيء.
واتقدت عيناه ببارق دل على تولد إرادة فجائية في نفسه وقال: اعلمي يا سيدتي أن أمك لم يكن لها غير صديق واحد حين فارقت هذه الحياة، وهذا الصديق كان أنا. - ألم تعهد إليك بالعناية بي؟ - نعم. - لعل أبي طردك بعد وفاتها من المنزل، أليس كذلك؟
فدهش وقال: كيف عرفت هذا؟ - إني سمعت الحديث حين كنت طفلة، ولا يزال عالقا في ذهني إلى اليوم. - إذن اعلمي أن أمك عهدت إلي بمهمة، وإذا كنت ترين أني لم أقم بقضائها، وإذا رأيت مني هذا التحفظ الشديد عقب ذلك الحب القديم، فذلك لأني لا أراك تنهجين مناهج أمك في شيء. - ماذا تعني بذلك؟ - إن أمك كانت من ملائكة الله يا سيدتي، وأنت أصبحت متكبرة عنيفة شديدة الوقع على الفقراء، قليلة الاكتراث بمصائب البؤساء، وشتان بينك وبينها، فأنت وإياها على طرفي نقيض. - وإذا ثبت إلى رشادي، واقتلعت هذه الطباع من نفسي وتخلقت بأخلاق أمي؟
فجثا الشيخ على ركبتيه واغرورقت عيناه بالدموع وقال: أرى أنك بدأت تشبهينها؛ لأن صوتك لا يختلف عن صوتها. - بل أريد أن يكون لي قلبها، وقد قلت لي إن أمي عهدت إليك بمهمة، فما هي هذه المهمة؟ - سوف ترين، فتفضلي بانتظاري يا سيدتي.
ثم تركها وخرج من الغرفة وغاب هنيهة، ورجع يحمل صندوقا صغيرا من خشب الأرز ووضعه أمام الفتاة وقال لها: هذا ما أمرتني أمك أن أسلمك إياه وهي على فراش الموت حين تبلغين سن الرشاد.
ثم دفع إليها مفتاح الصندوق، فأخذته وفتحت الصندوق بيد ترتجف ووجدت فيه مدالية وأوراقا.
وقد استلفتت المدالية في البدء نظرها، فأخذتها ونظرت فيها فإذا هي رسم امرأة، ولكنها لم تكد تتبين الرسم حتى صاحت قائلة: رباه! ماذا أرى؟ لعلي جننت؟
Página desconocida