وكان في التاسعة عشرة من عمره، وهو جميل الوجه أشقر الشعر ناعم اليدين أزرق العينين يدل سكونهما على الكآبة.
وكان قد ربط جواده إلى إحدى أشجار الغابة، غير أن هذا الجواد كان يسمع من حين إلى حين نباح الكلاب وصوت أبواق الصيد فيصهل ويحفر الأرض برجليه، كأنه يريد الإفلات من قيده والذهاب إلى مصدر الأصوات.
أما الفتى فإنه اضطجع فوق العشب، فأسند رأسه إلى إحدى يديه وجعل ينظر إلى السماء الصافية بعينيه وبقلبه وهو تائه في مهامه الخيال.
وبقي على ذلك نحو نصف ساعة، إلى أن سمع صوتا نبهه وأيقظه من سبات خياله، فالتفت إلى مصدر الصوت فلم ير أحدا، وقال في نفسه: إن هذا الصوت صوت وثوب بين الأدغال، فلا بد أن يكون صاحبه «بنوات».
ولقد أصاب في ظنه فإنه لم يكد يتم عبارته حتى رأى فتى قد وثب وظهر أمام الجواد.
وكان هذا الفتى يبلغ نحو السادسة عشرة من العمر، وقد وهبته الطبيعة بنية شديدة وجمالا بديعا ورشاقة نادرة وعقلا سليما، ولكنها أبت إلا أن تشوه جماله بحدبة في ظهره فنغصت عليه عيشه رغم تلك المواهب.
وكان الناظر إلى هذا الفتى - لأول وهلة - يستقبح منظره لحدبته، ولكنه إذا رآه عن قرب رأى عينين تدلان على السلامة ووجها يشير إلى الذكاء.
وكان شديد القوى ضعيف الحركات سريع العدو إذا طارد غزالا جرحه الصياد أدركه وسبق الكلاب إليه.
وقد كانت أمه ولدته في هذه الغابة، فنشأ فيها يتيما منذ الولادة وألف العيش بين الغابات والأدغال، فكان لا يطيب له الرقاد إلا في ظلال الأشجار، ولا يقتات إلا من نبات الحقول وما يصطاده من الأطيار، فكان نبلاء تلك الناحية وجميع الذين أذن لهم الرهبان بالصيد في تلك الغابة يعرفونه ويحبونه؛ لسلامة قلبه وشرف مبادئه وشدة ميله إلى الحرية والاستقلال، فقد رغب الكثيرون منهم في استخدامه، ولكنه كان يأبى الخدمة على فقره ويؤثر الحرية على التقييد.
فلما وثب وصار قرب الجواد التفت الفتى المضطجع ورآه، فأجفل الأحدب وقال له: أسألك العفو يا سيدي الكونت، فإني أخشى أن أكون قد أيقظتك.
Página desconocida