إن الرجل المعروف في باريس باسم السير فيليام لم يسافر أبدا إلى الهافر، بل ذهب إلى بريطانيا إلى صديق له يدعى البارون دي مادي.
فلما انتهى من تلاوته تأمل هنيهة ثم قال لبستيان: لم يعد لدي أقل ريب بأن هذا الرجل هو أندريا بعينه، وانه لم يسافر إلى بريطانيا إلا ليجتمع فيها بهرمين ويغريها على الزواج به، فإذا لم تسرع لإنقاذها فهو يبلغ مآربه؛ لذلك يجب أن تسافر في الحال إلى بريطانيا، فتقف على مجرى الأحوال، وتكتب لي كل يوم عما يكون.
فسافر بستيان، وكان الجميع يعرفونه في تلك الضواحي، فعلم منهم ما كان من أمر الصيد، وكتب إلى الكونت في اليوم الثاني من حضوره ما يأتي:
لم أكد أصل حتى علمت عن أندريا، أو عن السير فيليام إذا أردت، ما تهتم بمعرفته؛ فهو ضيف البارون دي مادي، وقد ذهب أمس إلى الصيد بصحبة البارون وبيرابو وهرمين، فقتل وحشا هائلا بطعنة خنجر، وكان ذلك على مرأى من هرمين فأغمي عليها، وهو الآن في منزل مدام كرمارك جالس على المائدة إلى جانب هرمين. ويتحدثون هنا بأن زواجها سيكون وشيكا.
أما أندريا فإنه قد فاز أتم الفوز، وأنست به هرمين فمالت إليه بعض الميل.
وكان قد علم بوجود بستيان في كرلوفان فلم يعبأ بذلك، ولكنه كان قلق البال لانقطاع أخبار كولار عنه.
وبينما هو عائد ذات ليلة من منزل كرمارك إلى منزل البارون عند منتصف الليل، وهو يسير على جواده في ذلك الممر الضيق الخط، الذي سبق وصفه للقراء، والبدر منير في قبة الفلك يملأ بأشعته ذلك البحر الهائج وتلك الوديان الساكنة، إذ رأى عن بعد رجلا مقبلا إليه يمشي الهوينا، ولما دنا منه انذعر كمن طلعت عليه أفعى؛ إذ تبين له أنه بستيان ورآه مسلحا وهو أعزل، فتمالك روحه وحياه منذهلا كأنه يستغرب وجوده في هذا المكان، ثم دار بينهما الحديث الآتي:
فقال بستيان: إني أعجب لما بدا منك من الانذهال لمرآي، مع أنك تعلم أني أتيت من باريس. - إني أعلم ذلك، ولكني دهشت لوجودك في هذا المكان عند منتصف الليل. - لأني كنت بانتظارك، إن لدي ما أقوله لك. - إني مصغ، فقل ما تشاء. - علمت أنك تسعى للاقتران بهرمين ابنة بيرابو، وأنك لم تأت إلى هنا إلا لهذه الغاية. - ذلك ممكن. - وقد علمت أن هذه الفتاة واسعة الثروة. - كلا، فإن مهرها لا يتجاوز الخمسين ألف فرنك، وصل إليها من أمها، وهو مهر لا يكاد يذكر. - ربما، ولكنها سترث ثروة طائلة؛ لأن البارون كرماروت قد ترك لها بعد مماته اثني عشر مليونا كما تعلم. - إنها ثروة واسعة، ولكني لا أعلم شيئا من ذلك. - نعم، وإنك تعلم أيضا أن الوصي على هذه الأموال هو الكونت أرمان دي كركاز.
فاضطرب أندريا وقال: قلت لي إنك كنت بانتظاري، فهل أنت تنتظرني للمباحثة في مثل هذه الشئون؟ وهل في مثل هذا المكان يتباحث الناس؟ - سوف ترى أن هذا المكان يفضل على سواه، فتفضل بالنزول عن جوادك واجلس معي على هذا الصخر، لأني سأحدثك عن امرأة تعرفها ويهمك شأنها. - من هي هذه المرأة؟ - إنك تعرفها يا سيدي حق المعرفة، وهل نسيت أنك حبستها في مستشفى المجانين؟
اصفر وجه أندريا وقال بمنتهى الاضطراب: أخرجت من المستشفى؟
Página desconocida