والهوي أصله من نفس النار، فإذا خرج ذلك النفس من النار، احتمل من ذلك الحفوف من الشهوات بباب النار فيها الزينة والأفراح، فأورد على النفس. فإذا نالت النفس ذلك الفرح والزينة، هاجت بما فيها من الفرح والزينة الموضوعة إلى جانبها في ذلك الوعاء، وهي ريح حارة، فدبت في العروق، فامتلأت العروق منها في أسرع من الطرفة، والعروق مشتملة على جميع الجسد، من القرن إلى القدم، فإذا دبت في العروق، ولذت النفس دبيبها وانفشاشها في الجسد، وامتلأت النفس لذة، وهشت إلى ذلك الشيء، فتلك شهوتها ولذتها، فإذا تمكنت النفس بتلك الشهوة واللذة من جميع الجسد، فصارت تلك الشهوة نهمة على القلب، والنهمة غلبة الشهوة وغليانها، فإذا غلت الشهوة غلبت على القلب، فيصير القلب منهومًا، وهو أن تقهر القلب حتى تمتهنه، فتستعمله بذلك، فيصير سلطان الهوى والشهوة مع النفس ومسكنها في البطن، وسلطان المعرفة والعقل والعلم والفهم والحفظ والذهن في الصدر، وجعل المعرفة في القلب، والفهم في الفؤاد، والعقل في الدماغ، والحفظ قرينة، وجعل للشهوة بابا من مستقره إلى الصدر، يفور دخان تلك الشهوات التي جاء بها الهوى، حتى يتأدي ذلك إلى الصدر، فيحفظ، فيحيط بفؤاده، وتبقى عينا الفؤاد في ذلك الدخان، وذلك الدخان اسمه الحمق، قد حال بين عيني الفؤاد وبين النظر إلى نور العقل ماذا يدبر له؛ وكذلك الغضب إذا فار، فهو كالغيم يقف بين عيني الفؤاد حتى يصير العقل منكمنا، لأن العقل مستقره في الدماغ، وشعاعه مشرق إلى الصدر، فإذا خرج ذلك الغيم (غيم الغضب) من الرئة إلى الصدر، امتلأ الصدر منه، وبقيت عينا الفؤاد في ذلك الغيم،
1 / 33