رياض الصالحين - ط الرسالة
رياض الصالحين - ط الرسالة
Investigador
شعيب الأرنؤوط
Editorial
مؤسسة الرسالة،بيروت
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤١٩هـ/١٩٩٨م
Ubicación del editor
لبنان
Géneros
ولَمْ يكُن رسولُ الله ﷺ يُريدُ غَزْوةً إِلاَّ ورَّى بغَيْرِهَا حتَّى كَانَتْ تِلكَ الْغَزْوةُ، فغَزَاها رسولُ الله ﷺ في حَرٍّ شَديدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا. وَاسْتَقْبَلَ عَددًا كَثيرًا، فجَلَّى للْمُسْلمِينَ أَمْرَهُمْ ليَتَأَهَّبوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، وَالْمُسْلِمُون مَع رسولِ الله كثِيرٌ وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ"يُريدُ بذلكَ الدِّيَوان"قَالَ كَعْبٌ: فقلَّ رَجُلٌ يُريدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنَّ ذلكَ سَيَخْفى بِهِ مَالَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْىٌ مِن اللَّهِ، وغَزَا رَسُول الله ﷺ تلكَ الغزوةَ حِينَ طَابت الثِّمَارُ والظِّلالُ، فَأَنا إِلَيْهَا أَصْعرُ، فتجهَّز رسولُ الله ﷺ وَالْمُسْلِمُون معهُ، وطفِقْت أَغدو لِكىْ أَتَجَهَّزَ معهُ فأَرْجعُ ولمْ أَقْض شَيْئًا، وأَقُولُ في نَفْسى: أَنا قَادِرٌ علَى ذلِكَ إِذا أَرَدْتُ، فلمْ يَزلْ يَتَمادى بي حتَّى اسْتمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ، فأَصْبَحَ رسولُ الله ﷺ غَاديًا والْمُسْلِمُونَ معَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازي شيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَم أَقْض شَيْئًا، فَلَمْ يزَلْ يَتَمادَى بِي حَتَّى أَسْرعُوا وتَفَارَط الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِل فأَدْركَهُمْ، فَيَاليْتَني فَعلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذلِكَ لي، فَطفقتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْد خُرُوجِ رسُول اللهِ ﷺ يُحْزُنُنِي أَنِّي لا أَرَى لِي أُسْوَةً، إِلاَّ رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْه في النِّفاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ تعالَى مِن الضُّعَفَاءِ، ولَمْ يَذكُرني رَسُولُ اللهِ ﷺ حتَّى بَلَغ تَبُوكَ، فقالَ وَهُوَ جَالِسٌ في القوْمِ بتَبُوك: ما فَعَلَ كعْبُ بْنُ مَالكٍ؟ فقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سلمِة: يا رَسُولَ اللهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظرُ في عِطْفيْه. فَقال لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ﵁: بِئس مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا علَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، فَسكَت رَسُولُ اللهِ ﷺ. فبَيْنَا هُوَ علَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبْيِضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: كُنْ أَبَا خَيْثمَةَ، فَإِذا هوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَاريُّ وَهُوَ الَّذي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْر حِيْنَ لمَزَهُ المنافقون قَالَ كَعْبٌ: فَلَّما بَلَغني أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَدْ توَجَّهَ قَافلا منْ تَبُوكَ حَضَرَني بَثِّي، فطفقتُ أَتذكَّرُ الكذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخطه غَدًا وَأَسْتَعينُ عَلَى ذلكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أَهْلي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قدْ أَظِلَّ قَادِمًَا زاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفتُ أَنِّي لم أَنج مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَدًا
1 / 37