كانت سوزي مثل سميح لا تؤمن بقانون الزواج، تقول عنه قانون متخلف من بقايا العبودية، جمعهما الحب دون ورقة، بدأ ساخنا ملتهبا وانتهى باردا متجمدا، وأصبح كل منهما يتطلع إلى شيء جديد، أو خفقة ما تحت الضلوع. •••
أشارت جمالات بإصبعها إلى ثديها الأيسر، فوق القلب مباشرة، وقالت، هنا الألم ينخس مثل الإبرة، تصورت الفتاة أن الأمر يتعلق بحب جديد، لكن الطبيب قرر دخولها المستشفى، لعمل الفحوصات والأشعات، هناك ورم ينمو في ثديها، من النوع الخبيث، أصبحت جمالات تبكي ليل نهار، تخفف عنها الفتاة وتقول، الله سبحانه وتعالى أعلم من الأطباء يا جمالات، وهو على كل شيء قدير، يقول للشيء كن فيكون، وأنت مؤمنة ومحجبة تواظبين على الصلاة والصيام، لن يخذلك الله يا جمالات وسوف يقول للورم كن حميدا فيكون.
تجفف دموعها، تبتسم في إعياء، تهمس بصوت خائر، كلامك يعيد إلي الثقة بالله، فقدت الثقة فيه، إزاي يبتليني بالمرض ده؟ إن كان امتحان يا رب يبقى امتحان صعب، أصعب من الثانوية العامة، أنا ساقطة في الثانوية، كنت بكره المدرسة كره العمى، كرهت القراية والكتابة طول عمري، كنت طايشة وعملت ذنوب كثيرة، وأنت يا رب غفور رحيم، بتغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك بك، وأنا يا رب لم أشرك بك، ليه تعاقبني بالشكل ده؟ يعني كنت بتضحك علي يا رب، أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، يظهر إني كفرت يا إله العالمين يا أرحم الراحمين، اغفر لي يا رب وابعد عني الشيطان والمرض الخبيث.
خرجت جمالات من المستشفى بعد أيام قليلة، كأنما ولدت من جديد، كانت الفتاة في غرفتها تقرأ حين سمعت باب الشقة يفتح، رأت جمالات أمامها مشرقة بالفرح، حوطتها بذراعيها وهي تشهق! - ربنا كبير سمع دعوتي، والورم طلع حميد والحمد لله.
راحت الفرحة بعد دقائق قليلة. - دفعت للمستشفى ألف جنيه وباقي ألف جنيه. ألفين جنيه يا رب على شوية تحاليل فاضية؟ وأجيب الألف التانية منين يا رب؟ - ربنا كريم يا جمالات . - أيوه ربنا كريم في كل حاجة إلا الفلوس يا عزيزتي! - أستغفر الله العظيم. - بلاش كلام كثير، السماء لا يمكن تمطر جنيهات، روحي لسميح والا رستم وهاتي سلفة بألف جنيه. - أنا عمري ما استلفت فلوس من حد، أنا أفضل الجوع عن إني أستلف من حد خصوصا سميح أو رستم. - السلف مش حرام ربنا حلل الاقتراض!
لم تكف جمالات عن الإلحاح، حتى طلبت الفتاة الألف جنيه من سميح، كان سميح أقرب إليها، وعلاقتها برستم لا تزال متأججة بمشاعر الحب المتناقضة، ما بين الإقبال والإدبار، والقطيعة والوصال، وتضخم الكرامة مع انكماش الإرادة، محاولة التحرر والاستغناء مع الخضوع والاستسلام للرغبة، وموجات التقلب بين الألم واللذة، والعار والإثم.
علاقتها بسميح هادئة باردة، خالية من المشاعر الجياشة، كالعلاقة الزوجية الناجحة المستقرة، ناولها سميح الألف جنيه على نحو عادي، كأنما هو أمر طبيعي، لم تفتح المظروف، أخفته كالعورة، ما إن وصلت البيت حتى تخلصت منه، فتحت جمالات المظروف بأصابع قوية ثابتة، عدت الجنيهات الألف لا تنقص شيئا، ثم دستها في حقيبة يدها وهي تصيح: يا ريتني طلبت ألف وخمسمية! •••
الفيلا في جاردن سيتي كانت تمتلئ بالزوار والضيوف، تتلألأ الأنوار في الصالة داخل الصالة، تتألق الوجوه بالسعادة، تتصاعد الضحكات مع دوائر الدخان والقفشات المضحكة والأصوات الناعمة مع نكهة الياسمين والعطور الأنثوية وماء الكولونيا، تسبح كارمن في الجو كالسمكة الفضية تجيد السباحة، رستم يرشف النبيذ شاردا كعادته، سميح ينهمك في الحديث في أحد الأركان، جمالات ومريم الشاعرة تقفان في الشرفة تطلان على النيل وتتهامسان، الفتاة جالسة وحدها كعادتها تشعر بالغربة، تتمشى أمام المكتبة الكبيرة، تتطلع إلى صفوف الكتب، تنشغل بقراءة العناوين، يأتي رستم يتمشى إلى جوارها، كأس النبيذ في يده اليسرى، والسيجار بين شفتيه: هربانة دايما كده؟
يخاطبها دون أن ينظر ناحيتها، وهو ينفث الدخان، عيناه تدوران على الكتب، تتوقفان أمام عنوان، يشد الكتاب ويناوله لها، الرواية دي جميلة جدا، أحب أناقشك فيها بعد ما تقرئيها.
خلسة تلمح كارمن ترمقها بطرف عينها، ترن ضحكتها في الجو، مرحة مجلوة كرنين إناء من الفضة، منهمكة في الجدل مع بعض الضيوف، رستم منهمك في النظر إلى صفوف الكتب، يخاطب الفتاة دون أن ينظر ناحيتها: إيه رأيك نتعشى سوا ونتكلم في الرواية، مشغولة الخميس الجاي؟ - أيوه. - مشغولة بإيه؟ - حاجات كتير.
Página desconocida