الإتباع مَا تعلق مِنْهَا بالعبادات والمعاملات وَجب الْوُقُوف عِنْده وَمَا مس بواطن الْقُلُوب وملكات النُّفُوس فرض توطين النَّفس عَلَيْهِ وَكَانَ وَرَاء هَؤُلَاءِ قوم من أهل الْحُلُول أَو الدهريين طلبُوا أَن يحملوا الْقُرْآن على مَا حملوه عِنْد التحاقهم بِالْإِسْلَامِ وأفرطوا فِي التَّأْوِيل وحولوا كل عمل ظَاهر إِلَى سر بَاطِن وفسروا الْكتاب بِمَا يبعد عَن تنَاول الْخطاب بعد الْخَطَأ عَن الصَّوَاب وَعرفُوا بالباطنية أَو الإسماعيلية وَلَهُم أَسمَاء أخر تعرف فِي التَّارِيخ فَكَانَت مذاهبهم غائلة الدّين وزلزال الْيَقِين وَكَانَت لَهُم فتن مَعْرُوفَة وحوادث مَشْهُورَة
مَعَ اتِّفَاق السّلف وخصومهم فِي مقارعة هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَة وأشياعهم كَانَ أَمر الْخلاف بَينهم جللا وَكَانَت الْأَيَّام بَينهم دولا وَلَا يمْنَع ذَلِك من أَخذ بَعضهم عَن بعض واستفادة كل فريق من صَاحبه إِلَى أَن جَاءَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الأشعرى فِي أَوَائِل الْقرن الرَّابِع وسلك مسلكه الْمَعْرُوف وسطا بَين موقف السّلف وتطرف من خالفهم وَأخذ يُقرر العقائد على أصُول النّظر وارتاب فِي أمره الْأَولونَ وَطعن كثير مِنْهُم على عقيدته وكفره الْحَنَابِلَة واستباحوا دَمه
وَنَصره جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كأبى بكر الباقلانى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ والإسفراينى وَغَيرهم وَسموا رَأْيه بِمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَانْهَزَمَ من بَين أيدى هَؤُلَاءِ الأفاضل قوتان عظيمتان قُوَّة الواقفين عِنْد الظَّوَاهِر وَقُوَّة الغالين فِي الجرى خلف مَا تزينه الخواطر وَلم يبْق من أُولَئِكَ وَهَؤُلَاء بعد نَحْو من قرنين إِلَّا فئات قَليلَة فِي أَطْرَاف الْبِلَاد الإسلامية
غير أَن الناصرين لمَذْهَب الأشعرى بعد تقريرهم مَا بنى رَأْيه عَلَيْهِ من نواميس الْكَوْن أوجبوا على المعتقد أَن يُوقن بِتِلْكَ الْمُقدمَات ونتائجها كَمَا يجب عَلَيْهِ الْيَقِين بِمَا تُؤَدّى إِلَيْهِ من عقائد الْإِيمَان ذَهَابًا مِنْهُم إِلَى أَن عدم الدَّلِيل يُؤدى إِلَى عدم الْمَدْلُول وَمضى الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن جَاءَ الإِمَام الغزالى وَالْإِمَام الرازى وَمن أَخذ مأخذهما فخالفوهم فِي ذَلِك وقرروا أَن دَلِيلا وَاحِدًا
1 / 11